الأسعار بدأت بالاشتعال في أسواقنا !

ها هو ذا المستهلك بدأ يتلمس آثار القرارات الحكومية الأخيرة برفع أسعار المازوت والغاز على مختلف السلع والخدمات، فقد شهدت معظم السلع في الأسواق المحلية ارتفاعات تدريجية للأسعار، فارتفع سعر الزيت الأبيض مثلاً نحو 70 ليرة لليتر، وارتفع سعر علبة المتة نحو 35 ليرة، كما ارتفع سعر مختلف مشتقات الحليب من ألبان وأجبان بنسب متباينة حسب المنطقة، وارتفعت أسعار الخضار والفواكه ارتفاعاً متفاوتاً، كما ارتفعت أسعار المعلبات نجو 20%، وارتفعت أسعار اللحوم الحمراء نحو 600 ليرة للكيلو، فأصبح يباع كيلو اللحم العواس بـ2700 ليرة، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً نتيجة رفع الرسوم الجمركية على مادة الأعلاف بنسبة 5%، وقد تصل إلى 10% نتيجة التكاليف الأخرى، وبالطبع لا يمكن لأي سلعة أن تكون بمنأى عن ارتفاع الأسعار في أسواقنا، خاصة أن قرارات الرفع شملت مادة المازوت التي تعتبر مادة حيوية في الصناعة والنقل عدا التدفئة التي أصبح استخدامها يقتصر على المقتدرين فقط.

وبالطبع مرسوم التعويض المعيشي (4 آلاف ليرة) لم يشمل إلا العاملين في القطاع العام والخاص، وبالحديث عن القطاع الخاص فإنه لم يشمل إلا الشركات الخاصة المسجلة عمالها في التأمينات الاجتماعية، حتى أن بعض الشركات لم تطبق هذا الأمر ولم تمنح عمالها تعويضاً أبداً، فكيف هو الحال في الشركات الخاصة غير المسجلة في التأمينات الاجتماعية، والتي تشكل النسبة العظمى بين شركات القطاع الخاص العاملة في السوق المحلية، فمثلاً: هل سيمنح الصحفي العامل في المواقع الإعلامية الخاصة أو في الجرائد الخاصة تعويضاً؟ وهل سيتم تعويض العامل في مشغل الخياطة؟ أو في شركة خاصة بصناعة السيراميك مثلاً؟ بالطبع هذا الأمر يعتبر نقطة تحدٍّ لوزارة العمل، التي أصدرت قراراً بمنح العاملين في القطاع الخاص تعويضاً معاشياً قدره 4 آلاف ليرة، فقد صرح وزير العمل في إحدى الصحف المحلية إن التسجيل في التأمينات الاجتماعية ليس أمراً ضرورياً لكي ينال العامل هذا التعويض، ولكن هنا نطرح سؤالاً: إذاً كيف سينال العامل هذا التعويض؟ وكيف ستفرض وزارة العمل، على المؤسسات والشركات التي لم تسجل عمالها في التأمينات الاجتماعية أو حتى على الورش الصناعية أن تمنح عمالها تعويضاً معاشياً؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية، ولا ننسى أن هناك فئة عاطلة عن العمل، كما يوجد اقتصاد الظل مثل البسطات وغيرها، والبائعون الجوالون، فكيف يمكن تعويضهم عن هذه الارتفاعات في الأسعار؟ وهل سيتحملون عبء القرارات وحدهم؟

بالعودة إلى أثر القرارات السابقة، فإن خدمة النقل شهدت ارتفاعات مزاجية في التعرفة، وحتى الآن ورغم إصدار التعرفات من وزارة التجارة الداخلية أو من المحافظات، إلا أنها لا تطبق، وكل سائق يفرض التعرفة التي يريدها على المواطن، وإذا سألته عن سبب ذلك، تكون الإجابة جاهزة لديه، وهي أنه حصل على المازوت من السوق السوداء بنحو 270 ليرة لليتر، وأن التعرفة المفروضة من المحافظة لا تكفي ثمن غيار زيت للمحرك! وبالطبع وصلت التعرفات التي يفرضها سائقو السرافيس وخاصة في ريف دمشق إلى أرقام غير متوقعة، فقد بلغت 150 ليرة أو 200 ليرة أو 300 ليرة أيضاً في المناطق البعيدة عن دمشق، وفي حال نظرت إلى تعرفتها المحددة من قبل المحافظة، فإنها لا تتجاوز الـ50 ليرة، أي أن السرافيس تأخذ ثلاثة أضعاف التعرفة المحددة! وبالطبع المواطن يدفع (من فم ساكت)، لأنه (رأسه يلف مئة لفة) ليحصل على مقعد في سرفيس أو ليؤمن وسيلة نقل تقله إلى مكان عمله أو دراسته، وهنا لا بد من السؤال: إذا كانت الأسرة لديها ثلاثة شبان في الجامعة أو يتعلمون في دمشق، فما هو المبلغ المطلوب لكي يصل هؤلاء إلى الجامعة في الشهر الواحد؟ بالحساب البسيط الرقم سيكون أكبر من راتب موظف، لذا لجأ العديد من شبان الجامعات إلى استئجار المنازل أو الغرف في الأحياء القريبة من مناطق دراستهم، لكي لا ينفق رب الأسرة راتبه الشهري على مواصلات أبنائه فقط، ومع ذلك فإن هذا الأمر لم يكن حلاً للكثير من الطلاب، فهناك من لم يجد غرفة ليستأجرها، فاضطر إلى دفع هذه التكاليف الباهظة.

وبالطبع النقل لا يشمل فقط نقل المواطنين، بل يشمل أيضاً نقل البضائع والمواد من منطقة إلى أخرى، وهذا أثر على بقية السلع المطروحة في السوق، فما إن تسأل بائعاً عن سبب ارتفاع سعر مادة ما إلا ويقول لك: تكاليف النقل زادات وانعكست على سعر السلعة، بالطبع البائع لا يخسر ولن يعرض نفسه للخسارة، بل إن المستهلك هو من سيتحمل كل التكاليف.

ولا يخفى على أحد أن القرارات الحكومية برفع سعر الخبز والغاز والمازوت واجهت انتقادات كثيرة على مختلف الصعد، وبات متابعون ومحللون يشيرون إلى أن موجة جديدة من ارتفاع الأسعار ستضرب الأسواق، وبالفعل بات هذا الأمر جلياً، فالمازوت لا يقتصر أثره وفق قول أحد المحللين على التدفئة، بل يشمل قطاعات عديدة، واقتراح أحد الخبراء الاقتصاديين أن تفرض الحكومة ضريبة على الأغنياء فقط وأن تكون قراراتها مقتصرة على شريحة محددة من المجتمع ممن لديهم القدرة على تحمل الأعباء، وأن لا تذهب إلى إصدار قرارات تمس الشرائح الواسعة من المجتمع، فهي منهكة وغير قادرة على تحمل المزيد من قرارات رفع الأسعار، وراح آخرون إلى أن التعويض المعيشي سيؤدي إلى زيادة التخضم وارتفاع متدحرج للأسعار، وفق ما وصفه أحد الخبراء الاقتصاديين، لأن الحكومة ضخت كتلة نقدية دون وجود إنتاج يقابل هذه الكتلة، مما سيؤدي وفق قول الخبير إلى رفع نسب التضخم أكثر.

بالطبع الآراء حيال قرارات رفع الأسعار كثيرة، ولكن أغلبها لم يكن إيجابياً، حتى أن جمعية حماية المستهلك في السويداء طالبت في بيان لها نشر على بعض المواقع الإعلامية المحلية، باستقالة الحكومة، وطالبت أيضاً بالاعتذار للشعب، وبتغيير اسم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى وزارة التجارة فقط، لأنها غير قادرة على حماية المستهلك.

ما نود التركيز عليه قبل نهاية الحديث أن المواطنين في سورية ليسوا جميعهم على سوية اقتصادية واحدة، فهناك الموظف في القطاع العام، والموظف في القطاع الخاص، ويوجد العامل والحداد والنجار والبلاط وبائع الفول والفلافل، ويوجد العاطل عن العمل أيضاً، والقرارات الحكومية المتخذة أو التي تفكر الحكومة في اتخاذها يجب أن تأخذ في الحسبان أثرها على جميع هذه الفئات لا على فئة واحدة أو فئتين، لأن جميعهم مواطنون يعيشون في سورية، والجميع تحمل أعباء الأزمة التي تمر على سورية، ولكن لم يحصل الجميع على التعويض مقابل قرارات رفع الأسعار، وهنا يأمل المواطن غير الموظف أن يكون هناك تحرك حكومي قريب لتعويضه معيشياً عن القرارات السابقة، أو عن ارتفاع الأسعار الكبير الذي حصل في الأسواق.. فهل ستحقق الحكومة أمل المواطن؟.

العدد 1140 - 22/01/2025