دار الزمن دورتين… لماذا انقلب الإتجاه القومي على الشام والعراق؟

عندما تبنى كل من الشام والعراق الإتجاه القومي منتمياً إلى العالم التقدمي الإشتراكي، متخلصاً من المركزية الإسلامية، صار هدفاً لحليفين مختلفين في البنية متوافقين في العداوة هما: الرجعية العربية – وهي توظف القوى الدينية أولاً، والصهيونية العالمية – وهي مشخصة بإسرائيل ثانياً، وعلى الرغم من الدراية العميقة لرجالات الفكر القومي في الشام والعراق بخطورة الحليفين المذكورين، إلا أنهم لم يجروا مصالحة مع خصومهم السياسيين،  ونعني الإتجاه اليساري وهو مشخص بالاحزاب الشيوعية، ولا نعني بالمصالحة الاتفاق المظهري أو التحالف الكمي العارض، وإنما نعني الاعتراف بأولوية (الخصم) اليساري الذي وإن اختلف معهم فهو حليف استراتيجي لهم بالضرورة.

لقد انتظم النظام العراقي السابق في الفترة الواقعة ما بين 1980-1988 

 في المنظومة الرجعية العربية، وصار موظفاً لديها، وقد ابتدأ خطوته الأولى 1980 بإعلان الحرب على ايران، وإثر ذلك الإعلان يتراجع النزاع القومي العربي مع المشروع الصهيوني إلى المرتبة الأقل، ليحل محله نزاع متوهم هو الصراع العربي الفارسي، ثم ينبثق من الحرب المذكورة إعادة لقراءة الموقف الإمبريالي العالمي على أنه ضرورة أخرى من ضرائر الإدعاء الأيديولوجي للرجعية العربية ضد الشيوعية المحلية والشيوعية العالمية، وخاصة بعد الدخول السوفياتي إلى أفغانستان ،1979 ومن المقدمات المذكورة يغدو النزاع الشيعي السني في المنطقة مقدماً على النزاع العربي الإسرائيلي، ومن هنا بدأت المشكلة بعد سقوط النظام العراقي تحت تأثير حلفائه العرب وبتمويل منهم، وبالآلة العسكرية الإمبريالية، في سعي منها لإستعادة أزمنة الإستعمار المباشر لإستملاك مصادر الطاقة استملاكاً تاماً، وحتى يصبح الإستملاك حالة من حالات الضرورة ارتأت مراكز البحث الإمبريالي أن  (أخونة المنطقة) تؤمن الحماية من (القوميين) ومن المزاحمين (روسيا والصين) في الخارج.

ولعل سؤالاً غير لاهث بل هو نادر جداً يطرح نفسه، لماذا ارتكست الجامعة العربية إلى الدرك الأسفل حتى غدت مؤسسة إخوانية؟

فإذا ما تمَّ هذا الطرح، فإن تصويب السؤال هو المقدمة الأولى للجواب، فالجامعة العربية منذ تأسيسها 1945 لم تكن (عربية) كما أرادها القوميون العرب، فبعد انقضاء المرحلة الناصرية وبعد محاولة أنور السادات 1970-1980  القضاء على الناصرية من خلال إحياء العلاقة مع الرجعية العربية والغرب الإمبريالي خارجياً، ومن خلال إنتاج علاقة نوعية مع الإخوان في مصر داخلياً، والجامعة العربية هي طوع بنان (البترودولار)، فإذا ما ظهرت في حين من الأحايين بموقف (عروبي) فلأن هذا الموقف مقدمة لموقف آخر يلبي نداء (الأطلسي) والموظفين العرب لديه.

وليس خافياً على أحد أن الجامعة المذكورة هي التي شرعنت تحطيم الأطلسي ل (ليبيا) ومن قبلها صمتت على تحطيم المفاعل النووي العراقي ،1982 ثم شاركت في تحطيم العراق 1991 بشكل مباشر وسافر، وهي التي حاولت تحطيم الدولة السورية، ولعل المهتمين بالوضع العربي والدولي لا يجدون في السجل الإسرائيلي الدبلوماسي طلباً يطالب الأمم المتحدة بوضع الدولة السورية تحت البند السابع، كما فعل أمين الجامعة البترودولارية الإخوانية المعروف ب نبيل العربي ، وما تزال الجامعة المذكورة تفصح عن طبيعتها  وتدور دورتها مع الزمن الإخواني لتقوم بدور وظيفي جديد، وهو إنشاء الكيانات على أساس من الوضعية الطائفية والعرقية، وقد تبينّا عن كثب دورها في انقسام – بل تقسيم – السودان؟؟ وأين دورها في اختزال القضية الفلسطينية إلى أبسط صورة؟؟ وإذا قلنا انقلبت أزمنة الجامعة، فنكون قد سلّمنا للإعلام بدوره المريب، إنما الجامعة انكشف دورها، ولا مجال لإعادة إحيائها، إلا إذا شاء الخالق الأول (قل من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها اول مرة) ولا أعني هنا رب العالمين، إنما أعني (بريطانيا المستعمرة) التي سلّمت أمريكا الإمبريالية إخراج القيد (السجل المدني) للجامعة العربية ومؤسساتها.

وعلى الرغم من دورة الزمن العربي دورتين…. الدورة الأولى نشأ عنه الليل والنهار (أنظمة الحكم والاستقلال) أما الدورة الثانية فقد نشأ عنها الليل العربي البهيم والنهار الأطلسي السديم، فإن الأمل قائم وكبير في ولادة زمن وطني للشام والعراق ومصر يقوم على الإعتراف بالواقع، ويقوم على التعاون على أسس تاريخية، ومستقبل مصيري يقصى فيه الزمن الصحراوي الإخواني، ويحل محله الزمن الخصيب الذي بشر فيه الشاعر بدوي الجبل وهو ينعى من قبل زمننا هذا ما امتد من زمنه إلينا:

ما لأمجادنا وما لعبيدٍ ..|.. الخرافاتُ مجدهم والطلولُ

كيف تسمو بين الشعوب ..|.. ثمالات شعوب وعابرون فلول

أرز لبنان أيكه في ذرانا ..|.. والفراتان: ماؤنا والنيل

العدد 1140 - 22/01/2025