لو كنت اسكتلندياً… بلد بـ 720 جاسوساً فقط؟!
ماذا لو كنت اسكتلندياً؟! تساءل رجل يعيش في هذه الفسحة الضيقة الممتدة بين ماء وماء..
أنا المواطن الممتلئ قهراً وقمعاً وأحقاداً وشعارات كبيرة وهزائم… قال أين سأقف في الاستفتاء التاريخي حول بقاء اسكتلندا من عدمه داخل المملكة المتحدة، وريثة الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عن أراضيها؟
اسكتلندا التي حاول وليم والاس تحريرها بالقوة من سيطرة التاج البريطاني، ودفع حياته لذلك، كما دفع آلاف الاسكتلنديين معه أرواحهم وأرزاقهم في الحرب التي اشتعلت لتحرير اسكتلندا.. وبقيت اسكتلندا جزءاً من المملكة المتحدة قسراً؟!
من المؤكد أني سأقف في الجانب الصحيح، كيف لا؟!.. سواء كنت مع الانفصال أو ضده.. فمثلي لا يقف إلا في المكان الصحيح، وإن تسبب وقوفي بكوارث ومصائب، فذلك من زخم التآمر وهوله ومن الحسد والضغينة من أعدائي، وما أكثرهم.. لكن موقفي صحيح ولا غبار ولا دماء عليه..
هي اسكتلندا التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة بريطانيا، وتصدر سنوياً ما قيمته 25 مليار دولار من (الويسكي) فقط، عدا الصادرات النفطية، وهذا الرقم يزيد على مجموع صادرات أكثر من عشر دول عربية مجتمعة بنفطها وغازها وقطنها وزبتونها وقمحها وعدسها وثومها وبصلها!!
الآن.. بعد أن ساد العقل قروناً واستقر هناك، مُنح الاسكتلنديون فرصة لاختيار البقاء ضمن بريطانيا العظمى أو الاستقلال، اختار صنّاع الويسكي المهرة البقاء، بأغلبية عادية وليست ساحقة كما هي حال انتخاباتنا واستفتاءاتنا، بل وحتى استبيانات الرأي التي تأتي على هوى من ينظمها دائماً بنسب مهولة..
هذه الأغلبية العادية التي اختارت البقاء كانت لديها اعتباراتها ربما، والاقتصادية تحديداً، كما أن الأقلية المعتبرة التي أرادت الانفصال كانت لديها مبرراتها التاريخية والقومية والاقتصادية أيضاً على المدى البعيد..
المهم أن لا أحد من الطرفين خوّن أحداً ولا كفّره ولا اتهمه بالعمالة والخيانة والتبعية للمستعمر البريطاني أو محاولة اقتطاع جزء من الوطن الغالي.. الجميع مارسوا حقهم في تقرير مصير بلدهم حسب قناعتهم، لم يسفك دم، بل لم تحدث مشاجرة واحدة على صندوق اقتراع!!
لكن ما استوقفني قبل معرفة النتيجة من بين التحليلات الكثيرة والآراء والدراسات التي قدمت حول الموضوع هو تحذير من بعض أنصار البقاء مع العرش البريطاني، وبعض الباحثين الاستخباريين، بأن اسكتلندا إن انفصلت عن التاج البريطاني فستفقد خدمات جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية، MI5 و MI6، ما سيعرّض الجزر البريطانية كلها لأخطار جسيمة من المنظمات الإرهابية مثل (داعش). وقال قائل منهم إن جهاز الاستخبارات الجديد لـ (اسكتلندا المستقلة) سيضم نحو 720 جاسوساً فقط، وهو عددٌ غير كافٍ لحفظ الأمن وحماية الحدود.
720 جاسوساً فقط، أيها الإخوة الاسكتلنديون لخمسة ملايين بني آدم ونيف؟؟
تعالوا إلى بلادنا التي لا تغيب عنها الشمس أيضاً، إلى هذه الصحراء الممتدة من موت إلى موت، وخذوا جواسيس بعدد السكان إلاّ قليلاً، فقاعدة (كل مواطن خفير) صارت (لكل مواطن جاسوس)، ثم عدلت لاحقاً مرات ومرات، وأصبح لكل مواطن جاسوسان أو أكثر مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم.. جواسيسكم تسخرونهم على أعدائكم لتكشفوا خططهم وأبحاثهم واختراعاتهم، فيما جواسيسنا منا وفينا، يعدّون أنفاسنا، (يَنْكتون) أحلامنا وبوستاتنا على الفيسبوك وتغريداتنا على التويتر، والنكات التي نتداولها، والأطعمة والمشروبات المفضلة لدينا، ولون عيون حبيباتنا..
720 جاسوساً لا يكفون حاجة حارة شعبية من العشوائيات، وتريدون دولة مستقلة؟!
الجاسوس الوحيد الذي أرسلناه إلى عدونا كان رأفت الهجان في المسلسل الشهير، وآخر جاسوس أرسلناه في مهمة سرية وخطيرة إلى عدونا الإسرائيلي نجح في تخطي كل الفحوص والاختبارات هناك، ودخل أكثر الأماكن حساسية في منظومة أمنهم وجيشهم وحكومتهم، لكنه ما إن ثبّت أقدامه وصار من مسؤولي الصف الأول حتى دقت فيه الحمية واشترى سيارة ستيشن سوداء، فيّمها (أي ألصق بها لاصقاً معتماً، حيث يَرى ولا يُرى) من أقصاها إلى أقصاها، ثم وضع على البلور الخلفي صورة بالحجم الكامل لرئيس حكومة إسرائيل مع أفراد العائلة، وبهذا انتهت رحلته الموفقة في التسلل إلى مفاصل الدولة، فاكتشفوه ولم يحكموا عليه بالإعدام طبعاً، لأن قوانينهم لا تجيز الإعدام، بل أودعوه السجن ليبدأ دراسته الجامعية هناك، ويكمل الدكتوراه ثم يخرج في آخر تبادل للأسرى بطلاً قومياً وشخصية مشهورة، وتزوج امرأة مميزة من علية القوم، وعلق في صدر بيته صورة المسؤول الذي يمنحه الراتب مع عائلته الكريمة، رغم أن نساء المسؤول الأربع كنّ ملثمات متشحات بالأسود من أقصاهن إلى أدناهن، أي (مفيمات) مثل سياراته.. لكنها العادة.. العادة أيها الاسكتلنديون المساكين..
قلتولي 720 جاسوساً؟!! سامحكم الله!