البرازيل والمونديال: نقمة أم نعمة؟

تعاني البرازيل حالياً أزمة سياسية واقتصادية، بعد أن كانت تعتبر في الصف الأول من الاقتصادات الصاعدة في العالم. وقد تحول ملايين الفقراء فيها إلى الطبقة الوسطى. كما أصبح الريال البرازيلي من أقوى العملات في العالم. وقد اعتبر الاقتصاد البرازيلي في التسعينيات من القرن الماضي حالة ميؤوساً منها. ولكن الاقتصاد عرف بعد ذلك صعوداً مفاجئاً، وتضاعف الناتج المحلي الاجمالي ثلاث مرات بفعل ارتفاع أسعار المواد الأولية والمنتجات الزراعية والحيوانية. وقد حاز عهد الرئيس لولا داسيلفا رضاء الأغنياء والفقراء على حد سواء. فقد فرح الأغنياء بنسبة الفائدة المصرفية العالية، بينما كان الفقراء راضين عن برامج لولا الاجتماعية. ولم يكن الرئيس البرازيلي بحاجة إلى التقشف، لأن أسعار المواد الأولية والمنتجات الزراعية كانت ترتفع من سنة إلى أخرى. وقد جلبت تلك المنتجات مئات المليارات من الدولارات. وقد تقررت إقامة المونديال في عهد لولا، إذ إنه أمل بأن يكون ذلك تتويجاً لعهده المثمر.

يمكن التساؤل الآن عما إذا كان الصعود الاقتصادي مجرد وهم أم قفزة في الهواء، لأن النمو الاقتصادي سجل في العام الماضي نسبة 3.2 في المئة فقط. وقد امتلأت ساحات مصانع السيارات بالمئات منها، وهي التي لا تجد من يشتريها. كما قلصت مئات الشركات الصناعية من إنتاجها. وقد تصاعدت أيضاً نسبة التضخم المالي، وهو مرض برازيلي مزمن. ولا يؤثر ذلك الآن بقوة على الاقتصاد، لكنه يؤشر إلى الكساد والركود. كما تتوقف الآن المشاريع الكبرى التي كان لولا قد وضع حجر الأساس فيها. فسكك حديد لم تكتمل بعد، والجسور من دون شوارع، فيما اختفت مليارات من الريالات البرازيلية.

يحمل ملايين البرازيليين احتراماً كبيراً للرئيس لولا. ففي عهده أمكن للمواطن البرازيلي شراء منزل وسيارة وقضاء الإجازات في الخارج. فيما كان قبل ذلك متسكعاً في المخازن الكبرى في ريو دي جنيرو وساو باولو. أما الآن، فهو زبون محترم يشتري الكماليات من حاجاته أيضاً. وقد عرفت الطبقة الوسطى في عهد لولا توسعاً كبيراً في عديدها، إلا أن أعداد المدارس والمستشفيات بقيت قليلة، ولم يكن النقل العام يحوز على العدد الكافي من الأوتوبيسات. كما بقي ثلثا البيوت من دون أقنية للصرف الصحي. وبالرغم من ذلك، ارتفعت أسعار الإيجارات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في المدن الكبرى. وقد أعلنت ديلما روسيف التي خلفت لولا في منصبه أنها لن تسمح بوجود الفساد، لكن شركة (بترو براس) البترولية، وهي جوهرة شركات رأسمالية الدولة، عرفت فساداً كبيراً كان من نتيجته نزوح عشرات المليارات من الدولارات، إلى أميكيا، ومن ثم إلى جيوب السياسيين الفاسدين. وحتى موعد الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الأول، تكتشف يومياً حالات من الفساد. وفي حين تقام مباريات المونديال اليوم، تشكو البلاد من ندرة التيار الكهربائي، وينصبّ غضب الناس على المونديال ونفقاته الباهظة. أما الفرح الذي يثيره المونديال، فهو يذوب في أحزان الناس.

عن (السفير)

العدد 1140 - 22/01/2025