ثقافة الأزمات
ما إن تطل الأزمة – أية أزمة – برأسها من نافذة أو كوّة، حتى يحمل المبشرون الأقلام والأوراق لتقديم الحلول، أو يحملون الفؤوس لتكسير رؤوس فاعليها والمروجين لها. وهناك الحالمون بتحقيق المراد مما لم يتحقق قبل حدوث التصدّع في حياة البلاد. ويدَّعي هؤلاء أنهم القدوة والمثال وهم أصحاب الحل، لأنهم يدّعون بأنهم الأطباء الذين يعالجون الوطن من الأنفلونزا، وأهم الأمناء الصادقون (وحدهم) على مصير البلاد والعباد والأصدقاء والأحباب والأصحاب.
لقد كشفت الأزمات التي تعصف بالعالم العربي من المحيط إلى الخليج، في بواطنها ومخارجها ومسببيها والمروجين لها ومحتكريها، أن عمليات فرز (سياسية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية)، تقاسمت الأزمة ووزعتها حصصاً غير عادلة على الفئات الاجتماعية من مختلف مكوّنات المجتمعات العربية.
وبرز في المقدمة (الحيتان وتجار الأزمات)، الذين شكلوا (طبقة) احتكارية فاسدة شكلت خطراً كبيراً في هذه المرحلة على حاضر سورية ومستقبلها.
إن أي مراقب لما يجري منذ عام 2011 حتى الآن، ليس بحاجة إلى فلسفة الأمور واستخدام التقنيات الحديثة المتطورة، كي يبرهن للآخرين، أو يقوم بتحليل العينات في المخابر ليكشف للقريب والبعيد العفونة التي تزداد سماكتها يوماً بعد يوم، ويبين (حرارة) أكفّ المصفقين والمهللين، أو الذين يعزفون أنغاماً للطرب ويدعون بأنهم المنتصرون بما حققوا من آمال، تعويضاً عن الماضي (الأليم) كما يدَّعون، وهم يكذبون لأنهم لم يغيروا مهنة التصفيق في الماضي والحاضر، بل هم من راكبي الموجة ومن الذين لم يغادروا الصفوف الانتهازية منذ عقود.
وهناك العازفون على مائدة النظام أنغاماً شرقية، لم يبدلوا أوتار العزف ولم يغيروا (ثيابهم) التقليدية العربية الأصيلة.. وعندما شموا رائحة لحم الغزلان، أو ما أطلقوا عليها (رائحة الربيع العربي)، رفعوا كوفياتهم الثورية والتحقوا بصفوف (الثورة).. وأصبحوا (قادة منافقين ودجالين).
كثيرون، كانوا يقولون إنهم (أثرياء الفقر)، ولن يتنازلوا عن مواطنيتهم وطبقتهم، ويتباهون بأنهم لن يبدلوا ثيابهم ولن يسلموا رايات الدفاع عن المسحوقين والمظلومين مهما حدث، لكنهم بدلوا ثقافة (الفخر والعز) بثقافة (النفط والدولار).. وغدوا من تجار أزمة الثقافة..!
ورحل كثيرون خاصة من أنصاف المثقفين والمروجين للأحذية الأمريكية في الأسواق العربية، وهبطوا في مطارات أوربية وعربية ورحّب بهم في السعودية وقطر ومشيخات النفط.. وآخرون كلفوا بإدارة مكاتب للدراسات والبحوث والدعاية والإعلان.. ومتابعة القضايا السياسية الساخنة وتحليلها وتبويبها وفهرستها بما يتفق مع (رواد حداثة (البترو – دولار).. وحددت لهم اتجاهات السير باستخدام البوصلة المركبة على فوهات المدافع والقذائف.
ولكل أزمة ثقافة ملابساتها.. حسب كبرها أو صغرها.. وحسب حجم القوالب التي وضعت فيها.. والرصيد المالي المخصص لها.. وسنوات كفالتها..!