جمعية العلوم الاقتصادية تبحث «الحماية الاجتماعية»

«السوري للسياسات»: غياب الاستراتيجية المتكاملة للحماية الاجتماعية.. تحرير الأسعار فاقم نسب الفقر

بيّن المركز السوري لبحوث السياسات أن الأزمة السورية تعدّ من أكبر الكوارث الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد تحول الحراك المجتمعي الذي بدأ في عام 2011 إلى نزاع دامٍ خلّف حتى نهاية عام 2013 أكثر من 130 ألف قتيل وأكثر من520 ألف جريح ومعوق، و6 ملايين نازح داخل البلاد و2.35مليون لاجئ و1.54مليون مهاجر غير لاجئ، وهو ما أفقد الملايين أمنهم الإنساني.

وذكر المركز خلال ندوة نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 19 آب 2014 أن سورية خسرت ثلاثة أضعاف الناتج المحلي لعام 2010 منذ بداية الأزمة، كما أنها أصبحت من أسوأ عشر دول في العالم في الالتحاق المدرسي ونسب الفقر والبطالة نتيجة للأزمة، فقد انخفضت نسبة الالتحاق الصافي في التعليم الأساسي من 98.4% عام 2011إلى 70% عام 2013 بحسب ما أفاد الباحثان ربيع نصر ود.نبيل مرزوق اللذان قدما شرحاً عن تقرير المركز حول (الحماية الاجتماعية في ظل الأزمة السورية.. من الحماية الاجتماعية إلى الحماية الإنسانية)، مشيرين لتراجع دور الدولة في مجال الحماية الاجتماعية نتيجة لفقدان الأمن واتساع القتال، وتأثر الانسجام الاجتماعي إلى حد كبير بانتشار العصبيات وثقافة الاستغلال وانحسار الثقة بالآخر.

وأوضح المركز أن تصنيف سورية يأتي في المراتب الدنيا، من حيث توفير فرص العمل اللائقة مع عدم وجود ضمانات صحية وغيرها من أنواع الضمان، إذ لم تتمكن الخطط الخمسية المتتالية من إيجاد فرص عمل كافية، ونبّه الباحثان إلى تدني فرص التشغيل كثيراً خلال الأزمة، مع وجود آليات طاردة للمرأة من سوق العمل.

وفيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية بينت مسودة التقرير التي قدمها المركز أن الدولة انتهجت سياسة توسعية بين عامي 2000و 2003 إذ ارتفع الإنفاق العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 28.7% إلى 33.4% على التوالي، إلا أن الإنفاق العام أخذ بالتراجع تدريجياً ليصل إلى 24.9% في عام 2010 مما يوضح تراجع دور الدولة في الاقتصاد الوطني، وبيّن الباحثان تراجع الإنفاق العام تراجعاً حاداً في ظل الأزمة الراهنة من 311 مليار ليرة في العام 2010 إلى 238مليار ليرة سورية في العام 2013 وتركز التراجع في الإنفاق الاستثماري الذي انخفض انخفاضاً حاداً من 128مليار ليرة سورية عام 2010إلى 21مليار ليرة سورية في العام 2013.

أما عن الطروح الاقتصادية قبل الأزمة فأشار المركز إلى أنها كانت غير واضحة ولم تقدّم بدائل عنها، وتحولت الخيارات الحكومية في تأمين الموارد إلى تحصيل الضرائب غير المباشرة عوضاً عن الضرائب المباشرة، بما يعني عدالة أقل وعدم مراعاة للفئات الشعبية المحتاجة للحماية الاجتماعية، ذلك أن الدعم العام الشامل يجب أن يكون لكل المواطنين من فئات المجتمع كافة، وهو النموذج المتبع في الدول النامية كافة.

وأشار الباحثان إلى أن تحرير الأسعار خلال الأعوام الماضية وخلال الأزمة كان له الأثر الأكبر في دخول فئات جديدة من المجتمع تحت خط الفقر، وأكدا أهمية الاستثمار في المهمشين والفقراء لدور ذلك في تحريك الاقتصاد وزيادة الطلب، مشيرين إلى أن وجود مهمشين يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ودعيا إلى تغيير النظرة إلى لحماية الاجتماعية من معيق للتنمية إلى معزز للنمو والإنتاجية ومقلّص للتفاوت في التوزيع.

كما قدم التقرير استعراضاً نقدياً لمفهوم الحماية الاجتماعية ودورها، وبضمن ذلك دور الدولة في الحماية وأهمية المؤسسات ودور المجتمع المدني، والعلاقة بين العدالة الاجتماعية والتنمية بمفهومها الواسع، إضافة إلى دور الحماية في ظل الأزمات، وخلص إلى ضرورة تجاوز المفهوم التقليدي للحماية الاجتماعية بالتركيز على مفهوم التعزيز بدلاً من مفهوم الحماية من المخاطر، إضافة إلى تركيزها على الجوانب اللامادية في الحماية مثل احترام شخصية الإنسان وجدارته وحرياته المدنية وعدالة توزيع الفرص والسلطة. وفي هذا الإطار قدم التقرير تشخيصاً لأنظمة الحماية الاجتماعية في سورية مميزاً بين مرحلتين رئيسيتين، الأولى بين عامي 2000 و2010 والثانية مرحلة الأزمة الراهنة بين 2011 و2013. وقد حلّلا دور الدولة في الحماية الاجتماعية، إضافة إلى دور المجتمع المدني، عرضا الإطار التشريعي الناظم لأنظمة الحماية الاجتماعية في سورية من خلال قراءة نقدية شملت الضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية وسياسات سوق العمل، ثم تعرض التقرير لأهم مؤشرات الحماية الاجتماعية قبل الأزمة وخلالها بشكل مفصل، واستعرض الفصل الأخير رؤية شمولية لخصائص نظام الحماية الاجتماعية المطلوب للمستقبل.

وبين التقرير أن من أهم التحديات التي واجهت أنظمة الحماية الاجتماعية في سورية قبل الأزمة، غياب الرؤية التنموية، وعدم استهداف العدالة الاجتماعية، إهمال لدور المجتمع المدني والأهلي في الحماية، ضعف على مستوى الحجم والتنفيذ والاستدامة، النتائج السلبية لسياسات التحرير الاقتصادي وضعف إنفاذ القانون، أما أثناء الأزمة فقد انهارت معظم مقومات أنظمة الحماية السابقة نتيجة الأضرار الكارثية للنزاع المسلح، الذي أضر برأس المال الاجتماعي والثقافي، وأضعف دور الدولة التنموي وفاقم التحديات أمام المجتم المدني.

يتطلب نظام الحماية الإنسانية، الذي يقترحه التقرير للخروج من الأزمة، رؤية تنموية واضحة ومشاركة واسعة في صياغة عقد مجتمعي جديد يضع القيم والأسس التي تحكم المجتمع في المستقبل والأهداف الكبرى التي يُفترض بالحماية السعي لتحقيقها، وبضمن ذلك العدالة والانسجام الاجتماعي. ويركز نظام الحماية الإنسانية المطلوب على الجوانب المادية كالعمل اللائق والضمان الاجتماعي والخدمات العامة الأساسية والدعم والاستهداف، وعلى الجوانب غير المادية كاحترام الإنسان والمشاركة في السلطة وحرية التعبير وعدالة الفرص والحصول على المعرفة.

ومن خصائص النظام على المستوى المؤسسي بناء مؤسسات كفأة وشفافة ومساءلة وتشاركية للحماية الإنسانية، تقوم على مبادئ العدالة والعمومية والمرونة. أما على المستوى التشريعي فالمطلوب تبني حزمة متكاملة من التشريعات التي تصمم بناء على رؤية تنموية جديدة تضمن مشاركة المواطنين وتضمن حقوقهم وتوسيع فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والثقافية. وأخيراً على مستوى التمويل تظهر ضرورة تصميم نظام مالي تكافلي بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني يقوم على توفير الموارد المالية والبشرية لضمان الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية.

القلاع: خسارة قوى عمل بسبب الإصابة والإعاقة

نائب رئيس الجمعية السورية للعلوم الاقتصادية غسان قلاع بيّن أن المشكلة اليوم ليست ارتفاع عدد من تجاوزوا الستين، ولكن المشكلة الأساس هي قوى العمل التي خسرناها بسبب الإصابة والإعاقة في سياق الأزمة، وهؤلاء باتوا غير قادرين على العمل والإنتاج وهم بحاجة إلى من ينفق عليهم ويخدمهم.

وأشار القلاع إلى معاناة الموظفين مع التأمينات الاجتماعية في تحصيل حقوقهم، ونبّه إلى المشاكل والمعوقات التي تكتنف عمل التأمين الصحي أيضاً، وفيما يتعلق بأصحاب العمل تساءل القلاع: (من قال إن صاحب العمل لا يحتاج إلى حماية اجتماعية؟).

العمادي: أمن الوطن أولاً

وأشار وزير الاقتصاد الأسبق د.محمد العمادي إلى التردي الاجتماعي الحالي ومن ذلك تفاقم نسب الأيتام والبطالة وانتشار الكثير من الأطفال في الشوارع بغية التسول، إضافة إلى تدمير العديد من المدارس والمشافي، ولكن الأهم برأيه هجرة الكثير من أبنائنا وخسارتنا للعقول الكثيرة التي صرفت الدولة لإعدادهم، وأشار إلى  وجود الكثيرين يرغبون بالعمل ولكنهم بحاجة إلى من يرعاهم ويدعمهم.

وأكد د. العمادي أننا إذا حققنا أمن الوطن حالياً فبالإمكان الوصول إلى أمن الإنسان بعد ذلك، وشدد أن واجبنا اليوم تأمين فرص عمل للجميع وخاصة للمشردين، وشدد على ضرورة دعم المجتمع الأهلي وحمايته.

الحمش: نظام اقتصادي يفرز أموراً اجتماعية

أما الباحث الاقتصادي د.منير الحمش فرأى أن العمل الاجتماعي هو تقليد في مجتمعنا، ورأى أن الحماية الاجتماعية نظام روّجته المؤسسات الدولية في إطار نشر اقتصاد السوق والليبرالية، حيث تنشأ حالات اجتماعية معينة فيحاول النظام الليبرالي أن يسد الثغرات الاجتماعية عن طريق شبكة الحماية الاجتماعية،

وبالنسبة للوضع السوري رأى الحمش أن الوضع الحالي خطير جداً مع آلاف القتلى والجرحى والمتضررين، وأكد أن نظام الحماية يتعلق بالنظام السياسي والاقتصادي، وقال: (لنوجه الأنظار الآن إلى المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الأزمة من نزوح ولجوء وقتلى وجرحى.. فتطبيق الحماية الاجتماعية يتطلب نظاماً اقتصادياً يفرز أموراً اجتماعية، وبقدر ما يكون النظام عادلاً اجتماعياً تقلّ مشاكلنا).

المنيّر: عدم كفاية الحماية الاجتماعية في حدوث الأزمة

من جهته قال الباحث الاقتصادي بشار المنيّر (نتحدث عن دور الأزمة في مشروع الحماية الاجتماعية، ولكن لماذا لا نتساءل عن دور عدم كفاية الحماية الاجتماعية في حدوث الأزمة؟)، وأضاف: عندما يزداد الفقر والمهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعندما يوجه الاقتصاد نحو النخب ويهمش مصالح الزراعة والصناعة، كل ذلك يؤدي إلى الأزمة).

وبين المنيّر أن الحماية الاجتماعية عندما لا تكون كافية وعندما لا توجه إلى الفئات المطلوب التوجه إليها، هذا أيضاً سيؤدي إلى أزمات اجتماعية. وأكد أن استمرار الأزمة الحالية يؤدي أيضاً إلى تراجع الحماية الاجتماعية.

العدد 1140 - 22/01/2025