البعد الإداري لإعادة الإعمار في سورية
(خذوا منا كل مصانعنا، وكل تجاربنا وطرق مواصلاتنا وأموالنا، ولا تتركوا سوى تنظيمنا (إدارة)، في أربع سنوات سوف نسترد مجدنا)
أندرو كارنجي «مؤسس صناعة الصلب في الولايات المتحدة الأمريكية»
عقدت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ورشة عمل بعنوان (البعد الإداري لإعادة الإعمار في سورية) قدمها الدكتور علي الخضر عميد المعهد العالي لإدارة الأعمال، أكد من خلالها أن البعد الإداري يشكل بعداً واحداً من مجموعة من الأبعاد السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية اللازمة لإعادة الإعمار في سورية.
وعلى الرغم من أهمية عملية إعادة الإعمار على الصعيد الاقتصادي، ورغم ضخامة الأرقام التي تطرح حول تكلفة إعادة الإعمار، ورغم تعدد استراتيجيات إعادة البناء، إلا أنه لا يمكن تنفيذ أي خطة أو نجاح أي مشروع دون الاستغلال الأمثل للموارد والكفاءات، وهذا يعتمد على نجاح العمل الإداري، فالبعد الإداري لا يقل أهمية عن البعد المالي والبعد السياسي والبعد الاقتصادي في عملية إعادة الإعمار في سورية.
ومشروع إعادة الإعمار ليس من مهام الحكومة فقط، بل من مهام كافة أطياف المجتمع السوري، لذا لا بد من تفعيل العملية التشاركية فيما بين كافة الأحزاب والقوى السياسية الوطنية، وتحويل مشروع إعادة الإعمار إلى مشروع وطني جامع تلتف حوله وتساهم في إقراره وتنفيذه السلطات الرسمية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والمؤسسات المجتمعية، وذلك يتطلب تجهيز كافة الإمكانات والطاقات للنهوض بهذا المشروع وفق منظومة قابلة للتكيف والتأقلم مع كافة المتغيرات سواء على الصعيد الداخلي والخارجي.
وبما أن سورية ليست البلد الوحيد الذي تعرض لحروب، وأيضاً ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض لها سورية لنزاعات وحروب، لذا لا بد من الاستفادة من تجارب سورية السابقة في نهوضها ووقوفها بعد كل أزمة، والاطلاع على تجارب الآخرين في عملية إعادة الإعمار وتعديلها بما ينسجم مع معطيات الواقع السوري، ولقد كانت التجربة اليابانية مثالاً ناجحاً في تجاوز الأزمات والكوارث وذلك من خلال إدارتها الناجحة التي أهلت اليابان لتكون في مقدمة الدول.
وقد طرح د. علي الخضر تساؤلاً هاماً: هل بإمكان الحكومة أن تتولى لوحدها عملية إعادة الإعمار؟! وهل من الضروري إحداث هيئة مستقلة، أو هيئة استشارية؟
بالتأكيد يوجد إجماع حول ضرورة مشاركة كافة الفعاليات والهيئات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي والمؤسسات الأكاديمية، وذلك بالاعتماد على الكفاءات والخبرات المحلية الوطنية والمشهود لها بالنزاهة والكفاءة.
بناء على ذلك اقترح د. علي الخضر إحداث هيئة عليا لإعادة الأعمار تهتم بالقضايا ذات الصلة وتشكل من المكونات:
– وحدة إعادة إعمار البشر قبل الحجر والتركيز على مفهوم العقد الاجتماعي.
– وحدة حصر الأضرار المادية وتقديرها.
– إيلاء الشباب الأهمية القصوى وإشراكهم في صياغة برامج الإعمار وتنفيذها.
– وحدة البنى التحتية (جسور، طرق، مرافئ).
– وحدة التمويل والاستثمار (محلياً، عالمياً، دولياً).
– وحدة الصناعة، والصناعة الرقمية مع التركيز على اقتصاد المعرفة.
– وحدة الزراعة والصناعات الزراعية المتكاملة.
– وحدات دراسات الجدوى.
– وحدة إدارة الأداء.
ومن أجل نجاح عمل هذه الهيئة في ظل تفاقم حجم الفساد في سورية، وضخامة الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار، والضرورة الملّحة لتحقيق الأهداف والغايات من إعادة الإعمار في أسرع وقت ممكن، اقتُرح منح هذه الهيئة السلطات والصلاحيات الكافية لإتمام مهامها على الوجه المطلوب، واتباعها إلى أعلى سلطة سيادية، على أن تتكامل وتنسق مع الوزارات والهيئات (الزراعة، الصناعة، هيئة الاستثمار، هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة…)، على أن تعمل الوحدات المقترحة على قاعدة فرق العمل المتكاملة تُدار ذاتياً في إطار استراتيجية إعادة الإعمار والسياسة الاقتصادية العامة، والعمل على تحديد وتوصيف دقيق لمهام وأهداف وسلطات ومسؤوليات الهيئة بشكل عام وكل مكون من مكوناتها بشكل خاص.
وبالطبع لم يغب البعد الاقتصادي عن الورشة، وبشكل خاص ضرورة تحديد هوية الاقتصاد السوري حاضراً ومستقبلاً، وإعداد النموذج المناسب للاقتصاد السوري على المدى الطويل (25 سنة)، وذلك يتطلب توفير قاعدة معلومات دقيقة عن واقع وآفاق الاقتصاد السوري تمهيداً لإعداد الاستراتيجيات المناسبة، والتأكيد على أن إعادة الإعمار لن تتم إلا بأيدي أبنائها، وذلك يتطلب التركيز على الموارد البشرية المحلية، والعمل على تحفيز الخبران الوطنية في المهجر على العودة، وتشجيع عودة رأس المال المحلي للمساهمة في إعادة الأعمار، مع توفير الظروف والشروط المناسبة لهم، والتفكير جدياً في كيفية إعادة تشكيل العمالة السورية وهيكلتها كماً ونوعاً مع التركيز على صناعة التدريب بشكل أكثر جدية.
لكن يعد التمويل العائق الكبير في تأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، لذلك تم التركيز على أن يكون التمويل سورياً وطنياً بالاعتماد على المدخرات المحلية، وعلى أموال رجال الأعمال السوريين المغتربين، أو تمويل أجنبي من دول عربية أو أجنبية صديقة على أن لا يتعارض مع المصلحة الوطنية، بحيث تبقى سورية دولة صاحبة قرار وسيادة واستقلال، لذلك قد تكون مصادر التمويل:
– ذاتياً من خلال الاستثمار الرشيد لمصادر الطاقة الواعدة والرساميل السورية الداخلية والخارجية.
– المنح والقروض والمساعدات.
– المصارف الوطنية الخاصة.
في النهاية يمكن القول إنه لا توجد في العالم أنظمة ناجحة وأخرى فاشلة، بل توجد إدارات ناجحة وإدارات فاشلة، وقد أثبت الواقع أن تقدم الدول لا يعتمد على مدى توافر الثروات والإمكانات، بل يعتمد على قدرة وكفاءة الإدارة على حسن استثمار والاستغلال الأمثل لهذه الثروات والإمكانات بالشكل الذي يلبي احتياجات المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه.
عمر الحموي ــــ خيري الزيبق
من طلبة كلية الأعمال والإدارة – جامعة القلمون الخاصة