جمعية العلوم الاقتصادية تبحث البعد الإداري لإعادة الاعمار

خضر يدعو لإحداث هيئة عليا لإعادة الإعمار ويركز على التشاركية والتعددية السياسية

رأى عميد المعهد العالي لإدارة الأعمال د.علي الخضر أن سورية اليوم وسورية الغد بحاجة إلى اعتماد استراتيجيات علمية ومدروسة لإعادة بناء ما شوهته الأحداث الجارية في البعد القيمي والأخلاقي والوطني، داعياً إلى إعداد استراتيجية مدروسة لتجاوز هذه القطوع المؤلمة، مقترحاً إحداث هيئة عليا لإعادة إعمار سورية تتمتع بصلاحيات كبيرة وتضم الهيئات والفعاليات المدنية والسياسية كافة، وتعتمد أساليب الإدارة المعاصرة بهدف الاستفادة من الرصيد المعرفي من تجارب العالم الرائدة والعمل على تكييفها بما يتلاءم والبيئة السورية.

كلام الخضر جاء خلال ندوة عقدتها جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 16 أيلول 2014 بعنوان: (البعد الإداري لإعادة الاعمار في سورية)، وقدم فيها مجموعة خطوات تُعنى بالجوانب الإدارية في موضوع إعادة إعمار العديد من مناحي الحياة، مؤكداً أهمية الانطلاق من منظومة العمل السياسي وتفعيل عملية التشاركية والتعددية السياسية بالانفتاح الحقيقي على الأحزاب والقوى السياسية الوطنية كافة، داعياً أن يتم الاتفاق والتنسيق بين القوى السياسية الوطنية في سورية المتجددة على برنامج إعادة الاعمار في ظلِّ هوية اقتصادية تضمن تفاعل كافة الجهود والطاقات والإمكانات والموارد الوطنية والشعبية وتكامله كافة تمهيداً للوصول إلى الأهداف المنشودة بأعلى كفاءة ممكنة، وأشار إلى ضرورة العمل على تفعيل دور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتوفير البيئة والظروف والشروط المواتية التي تمكّنها من أداء دورها بالتنسيق والتعاون مع المنظمات والفعاليات الوطنية على الساحة السورية، لافتاً لأهمية العمل مبكراً على إعداد استراتيجية وطنية ملائمة تعتمد المنهج العلمي مع تحديد الآليات المناسبة لإعادة إعمار البشر قبل الحجر، ومبيناً الحاجة من الناحية الإدارية لإجراء مسوحات نعرف من خلالها أين نحن الآن. واستعرض عدداً من التجارب العالمية لبدان دمرت وأعيد إعمارها ، كمشروع مارشال وإعادة إعمار اليابان والاتحاد السوفييتي وكذلك التجربتان اللبنانية والعراقية.

ودعا عميد المعهد العالي لإدارة الأعمال إلى إحداث هيئة عليا لإعادة الإعمار تتمتع بصلاحيات كبيرة وتوفر لها المستلزمات المادية والبشرية والتقنية وتعمل بالتنسيق والتعاون مع الفعاليات الوطنية والمنظمات الاقتصادية والإقليمية وربما الدولية، واقترح أن تركز الهيئة بداية على قطاع البنية التحتية والقطاعات المولدة للقيم المضافة العالية، والتركيز على القطاعات الإنتاجية والخدمية التي يمكن أن تساعد في الحفاظ على استقلالية القرار السياسي وضمان سيادة السلطة الوطنية، وأن يُتبع للهيئة مديرية لإدارة الأداء تضع معايير التنفيذ ومتابعتها ومراقبتها وتقويم نتائج العمل بصورة مستمرة واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتصويب الانحرافات وتعزيز قيم المساءلة والمحاسبة والتحفيز الموضوعي.

وفيما يتعلق بموضوع تمويل إعادة الإعمار، أشار الخضر إلى التعاون بالدرجة الأولى مع الدول والمؤسسات الصديقة وضرورة تنويع  هذه المصادر بحيث يمكن الاستفادة من استقدام التقانات المتقدمة وتوطينها واستقطاب الأطر الفنية المتميزة والاعتماد على الشركات والمؤسسات الموثوقة عالمياً، بما يضمن تحقيق المصلحة الاقتصادية والوطنية العليا لسورية مع مراعاة مسائل عدم تمكين الرأسمال والاستثمارات الأجنبية المباشرة من السيطرة والهيمنة على المقدرات والمفاتيح الأساسية للاقتصاد الوطني مما يحد من استقلالية القرار السياسي ويجعل البلاد عرضة لمخاطر كبيرة.

وأكد أهمية اعتماد بنية قانونية وتشريعية وتنظيمية محفزة تقدم التسهيلات لاستقطاب الرساميل الوطنية المهاجرة والمستثمرين العرب الراغبين في المساهمة في مشروع إعادة الإعمار، مشدداً على تلافي الثغرات والنواقص كافة في قانون الاستثمار رقم 10 وتعديلاته، وخاصة العراقيل المتعددة التي حالت دون استقطاب المستثمرين والرساميل وتحديداً في قضايا الترخيص وتسهيلات الإقلاع في تنفيذ الكثير من المشاريع، وأن يتم ذلك بالتوازي مع اعتماد أساليب تحفيزية للكفاءات السورية المهاجرة وتوفير الظروف والشروط المواتية لتلعب دوراً رائداً في إعادة الإعمار، على أن يتم ذلك بالتوازي على العمل على إعادة تشكيل بنية العمالة السورية وهيكلها كماً ونوعاً حاضراً ومستقبلاً، وتحديد مصادر تأمينها بحيث تكون قادرة على النهوض باحتياجات إعادة الإعمار، وبيّن أن ذلك يتمّ عن طريق (تصميم وتنفيذ برامج تدريبية متنوعة وفقاً للاحتياجات الفعلية المخططة والمبرمجة لتدريب وإعادة تأهيل العمالة وخاصة الشابة منها في ميادين العمل الإنتاجي والخدمي على حد سواء باعتبار أن صناعة التدريب في سورية لا تزال على الصعيد الواقعي في ذيل الاهتمامات).

ودعا إلى الاهتمام بمشاريع اقتصاد المعرفة وإدارة المعرفة التي تقوم على الإبداع والابتكار واستخدام التقانات المتطورة في النشاطات الإنتاجية والخدمية، وأشار إلى أهمية تنفيذ دراسات علمية ومنهجية في ميادين الجدوى الاقتصادية والمالية والفنية والتسويقية والاجتماعية والبيئية للمشاريع والمجمعات الصناعية المنوي إنشاؤها في ضوء وجود قاعدة معلومات ومعطيات موثوقة ودقيقة وصالحة للاستخدام لمساعدة المستثمرين في اتخاذ القرارات الصائبة، وقال: (يجب أن ترسم مرحلة إعادة الإعمار خريطة استثمارية تطول جميع أفراد المجتمع السوري، فسوء التوزع الجغرافي للاستثمارات كان سبباً في الأزمة).

وشدد الخضر على ضمان دور الدولة التدخلي والفعال في توجيه بوصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تبقى الدولة مسيطرة على القطاعات الاقتصادية المحورية وأن تبقى مسؤوليتها مباشرة عن المكونات الرئيسة للبنى التحتية مع إتاحة الفرص المدروسة لإشراك القطاع الخاص في بعض جوانبها في ظل إطار قانوني فعال، وأكد أهمية عدم التفريط بقطاع الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها لأنها مكسب وطني واجتماعي، والعمل على إعادة النظر بآليات تنفيذها لتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأشار إلى فوائد تطبيق منظومة B.O.T حالياً لضمانها الجودة والسرعة في الإنجاز مع مراعاة عناصر التكلفة والمساهمة في تفعيل عملية إعادة الاعمار. وختم عميد المعهد العالي لإدارة الأعمال د.علي الخضر كلامه بالقول: (إذا أردتم النجاح وتحقيق الأهداف بأعلى كفاءة ممكنة، فعليكم البحث عن قيادات إدارية تحويلية قادرة على تحقيق إنجازات نوعية في زمن قياسي).

القلاع: استقلالية الهيئة ومكافحة الفساد

وأكد نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع في سياق النقاش أهمية إحداث الهيئة شريطة أن تكون مستقلة ولا تتبع لجهة حكومية كي لا تضيع وتفشل، وبيّن أن عملية إعادة الإعمار هي عملية دائمة ومستمرة وتخضع لتطورات كل مرحلة، وشدد على دور الدولة في مكافحة الفساد باستذكاره الدور الفاعل لمكتب ديوان المحاسبات الذي كان يرهب أهم الجهات الحكومية، ولكن إحداث الجهاز المركزي للرقابة المالية وهيئة الرقابة والتفتيش شتت المسؤوليات وضاعت البوصلة.

ودعا إلى تأهيل الكوادر البشرية بخبرات جيدة لتكون قادرة على الأداء الفعال وتلافي السلبيات.

وفيما يتعلق بالأرقام المطروحة لحجم الأضرار بيّن القلاع أنه لم يتم لغاية الآن عملية إحصائية كاملة، فالكثيرون لا يتمكنون من الوصول إلى منشآتهم لتحديد حجم الأضرار.

خضور: نحتاج إلى التمويل الخارجي لأن الداخلي لا يكفي

أما عميد كلية الاقتصاد د.رسلان خضور فرأى ضرورة أن تكون الهيئة المقترحة تحت سلطة الدولة لتكون الحكومة محركاً لها وليست مشرفاً عليها فقط، وبالنسبة للتمويل أكد حاجتنا للتمويل الخارجي لأن مواردنا الداخلية لا تكفي لإعادة الإعمار، ولكن المشكلة برأيه كيف سيتم التوليف بين التمويل الخارجي والقدرات الداخلية..!؟

المنيّر: اعتماد أسس الإدارة الحديثة والتنسيق مع الرساميل الوطنية

أما الباحث الاقتصادي بشار المنيّر فبيّن أنه لا يوجد بلد في العالم إلا وخطط له من قبل هيئة حكومية، ولكننا نخشى ذلك لأننا اعتدنا على مخططات حكومية مشكوك فيها، مشدداً على حاجتنا إلى هيئة من نوع جديد تعمل وفق وفق أسس الإدارة الحديثة البعيدة عن الكلاسيكية الإدارية الرتيبة وبالتنسيق مع الرساميل الوطنية، وركز على ربط عملية إعادة الإعمار بالوضع السياسي، لارتباطه بكيفية حل الأزمة السورية بشكل سلمي يحقن الدماء، لتعود بعد ذلك مواردنا وأراضينا الزراعية ومعاملنا إلى الإنتاج.

وبالنسبة للتمويل بيّن المنير أن غياب الأرقام الدقيقة للخسائر يجب أن يؤخذ بالحسبان، وبالتالي فإعادة الإعمار ممكنة بالجهد الوطني الذاتي والاعتماد على الأصدقاء، واقترح العمل حسب الأولويات والأهميات كبدء عناقيد صناعية أو زراعية… بغية النهوض باقتصادنا الوطني لتمويل العملية، وحذر من السيناريوهات المشبوهة لإعادة الإعمار التي تؤدي لارتهان قرارنا السياسي.

الحلبي: هيئة التخطيط مهيأة للإشراف

وطالب د.محمد سعيد الحلبي بالعودة إلى هيئة التخطيط والتعاون الدولي لأنها مهيأة للقيام والإشراف على الهيئة المقترحة، وبالنسبة للتمويل تساءل هل أعيد إعمار الدول (التي طرحت كأمثلة) بالتمسك بالتمويل الداخلي، أم بالمساعدات الخارجية والديون؟ وأكد أنه كما يبحث الممول الخارجي عن جدوى اقتصادية فإن الممول السوري يبحث عن ذلك أيضاً.

أوغلي: إعادة بناء الإنسان أولاً

أما د. عصام أوغلي فرأى أنه لا يمكن إعادة الإعمار دون إعادة بناء الإنسان، لأن إعادة الإعمار لا تتم بالقرارت، مبيناً أننا لا نستورد العمالة من الخارج لذا علينا تهيئة الشخص المناسب، وتوفير الخبرات الناقصة لدينا للفترات القادمة.

المصري: إعادة هيكلة الدولة بما يخدم مرحلة الإعمار القادمة

وأكدت عضو المكتب التنفيذي لاتحاد عمال دمشق إنعام المصري أهمية إعادة هيكلة الدولة بما يخدم مرحلة الإعمار القادمة مشددة على دور الدولة في الهيئة المقترحة، وبينت ضرورة توضيح علاقة الدولة بالشركات الاقتصادية، مع الاهتمام بتأهيل المواطن في وطن يتم فيه تحطيم لمفهوم المواطنة وترويج مفهوم الارتزاق، وشددت على مفهوم التنمية لا النمو وعلى دور الدولة في تنبي مشروعات لحماية حقوق الإنسان والعمال.

وأشارت إلى أهمية تحديد جهة للرقابة والمحاسبة تكون مستقلة عن جهة التنفيذ.

الحسنية: دراسة التجارب السابقة وبناء تجربتنا الخاصة

وطالب الأستاذ سليم الحسنية من المعهد العالي للتنمية الإدارية بوضع إطار منطقي علمي لإعادة الإعمار، وقدم مقترحاً يعتمد على مجموعة نقاط منها دراسة جميع التجارب السابقة بإعادة الإعمار، والاستفادة من الإبداع ليكون لدينا عنصر نتقدم به على الدول الأخرى، وتخضع هذه الجهة المسؤولة للعلم والقانون أثناء وضع استراتيجيتها للتنفيذ،  ويوفر لها المستلزمات والوسائل المادية وغيره.

عباس: دائماً نصطدم بالتنفيذ لغياب المنهجيات

ركز حيان عباس من وزارة الصناعة على البعد الإداري لإعادة الإعمار مع وضع هيكيلية تنظيمية للعملية واقترح إيجاد هيئة لإعادة بناء الإنسان تعمل بالتوازي مع إعادة الإعمار. وأشار أننا دائماً نصطدم بالتنفيذ لغياب المنهجيات.

عبدالله: النظام الضريبي من أهم مصادر التمويل

د.نزار عبدالله أشار إلى أن من أهم مصادر التمويل هو النظام الضريبي إضافة إلى أرباح القطاع العام، طارحاً عدداً من الأمثلة من العالم حول ذلك.

العدد 1140 - 22/01/2025