الحب في زمن الحرب
الحب شجرة مثمرة لن يموت ما دامت القلوب تنبض، ويحفرها العشَّاق على سوق الأشجار وتلوَّن بالأحمر، فهي الدماء التي تجري في عروق العشق، والذاكرات التي تخزن الوجد، ثمَّ عندما يأتي الوقت المناسب ترفع المزالج من بوابات الأفئدة، كي يتدفّق من نبع لا ينضب ويسيل في ساقية تروي قلوب الأحبّة..!
في الرابع عشر من شباط في كل عام يفتح فالنتين صالونه لاستقبال العشاق.. كل شيء في الصالون أحمر.. الورود.. الستائر.. الكراسي.. المحارم الورقية.. الأقلام والأوراق والقمصان وربطات العنق وغيرها..
ومنذ سنوات ثلاث وسورية حزينة، أصبح اللون الأحمر.. لون دماء السوريين يمثّل شهداء الوطن.. وعلى الرغم من ذلك لن يموت الحب في (زمن اللاّحب). فالحياة لن تتوقف أبداً .. والشباب يجددون حياتهم .. يحبون ويعشقون ..يتزوجون وينجبون.. وهذه قصيدة للشاعر رياض الصالح الحسين.. جاء فيها:
في هذه اللحظة تماماً
العالم قلب كبير يدقّ بقوّة
العالم زهرة لوتس في شعر فتاة صغيرة
العالم هرّة بيضاء تموء بلطف وهي تشرب
العالم أغنية مسافرة في قطار مجهول
العالم يمامة ..
في منقارها بطاقة بريدية:
إنني أحبّك.
وفي هذا اليوم الأحمر الفائض بالحب والأحلام والمستقبل.. يوم 14 شباط يحتفل العالم بعيد الحب، وفاء لذكرى القديس فالنتين الذي عاش في بداية ظهور المسيحية، والذي أعدم في هذا التاريخ من عام 269 ميلادية.
هناك أكثر من رأي وأكثر من حكاية شعبية تناقلتها الشعوب من بلد إلى بلد ومن جيل إلى جيل، أكدت أن فالنتين قتل على يد الإمبراطور الروماني كلوديس الثاني، لأن فالنتين لم يقبل مناقشة كلوديس في الوثنية، بل أصرَّ على إقناعه باعتناق المسيحية مما أثار غضبه، فأمر بسجنه ثمَّ إعدامه في هذا التاريخ..
وتقول رواية تاريخية ثانية، إن فالنتين قبل إعدامه في هذا التاريخ، قدَّم معجزة بهدف إقناع كلوديس بالمسيحية، بشفاء ابنته الكفيفة من العمى.. وحكاية ثالثة تمَّ تداولها في القرن الرابع عشر الميلادي، كانت أكثر القصص شعبية لكنّها غير موثقة. ومما قيل عن هذا القديس هو أنَّ كلوديس الثاني أصدر مرسوماً بمنع الشباب من الزواج، بقصد زيادة عدد الجنود في جيشه، وذلك لاعتقاده أن المتزوجين جنود غير أكفّاء، لكن هذا القديس الشجاع قام بتزويج الشباب سرّاً. وحين اكتشف أمره قام الإمبراطور كلوديس بقتله في هذا اليوم.. وتقول الرواية الشعبية إنه كان مغرماً بابنة الإمبراطور، وقد كتب لها أول بطاقة حب في التاريخ.
الحب في 14 شباط وفي جميع الأيام، مهما تكالبت الشرور وتفنن القتلة والتكفيريون، هو الشريان الرئيس الذي يضخ الدماء النقية إلى قلوب الناس. ومهما تغيّرت قوانين الطبيعية ودساتير الظالمين، تظل غيوم الحب تمطر أقحواناً، وأغصان الأشجار تبرعم وتزهر والشمس تشرق والأرض تدور.. ونزار قباني يقول:
يا سيّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العام
أنتِ الآن .. أهمّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العام.
أنتِ امرأة لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيام.
أنتِ امرأة..
صنعت من فاكهة الشِّعرِ
ومن ذهب الأحلام..
أنتِ امرأة .. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوام..
وكل عام وعشَّاق القلوب والأحلام والأوطان بخير..!