من حقّنا

البيت لنا، والدرب لنا، نفتح الباب ونغلقه متى شئنا، ندخل ونخرج متى شئنا، فذاك بعض من حقنا. ومن حقنا ترتيب بيتنا أيضاً، نوزع الأثاث والأشياء كما نريد، لا حاجة لاستئذان أحد. نسلك الطريق التي نراها مناسبة، توصل إلى البيت أم لا توصل، ذاك أمر يخصّنا نحن أصحاب البيت فقط، نفتح الأبواب والنوافذ على الجهة التي نختارها نحن، أصحاب البيت، ولا يحق لأحد أن يتدخّل في شؤوننا. يعجبنا الهواء الشرقي، فنشرع شرفاتنا شرقاً، قبلتنا في الجنوب، فنجعل باب الدار شمالياً لننحني حين ندخل. ذاك تراثنا، وتلك قناعاتنا، قناعاتنا نحن، أصحاب الدار، جغرافية وتاريخاً ورؤىً.

حقولنا لنا، لنا وحدنا، ووحدنا أيضاً من نملك القرار بأن نزرعها بما نشاء، ومتى نشاء. ونحن المعنيون بخير المواسم، بوفرتها أم بشحّها. نحن من نزرع الورد، ونحن من سيعرض غلاله على الآخرين، فهذا وردنا لنا، وتلك بضاعتكم لكم. نعرف أسرار أرضنا بتضاريسها كلها، نعرف ما تخبئه من مواسم، وما تضمره سماؤنا من أمطار. وتلك معرفة مبدئية، لا نعرف كيف التصقت بوعينا ومداركنا، ولا يهمنا ذلك، فنادراً ما يهتمّ المرء للون بشرته أو شكل ملامحه، ونادراً أيضاً ما يسمح أحد بالتدخّل في لون عينيه.

تلك الحراج الممتلئة بالثعالب وبالطيور لنا، أجل… حراجنا لنا، ونعرف كيف نربّي الطيور، وكيف نغلق الدروب في وجوه الثعالب، نكتب الرقى والتعاويذ، ولا نسأل لماذا وكيف. هي أرواح الأجداد تفرض صدقيتها، وتنبذ الخارجين عن نطاقها. كل ذلك نعرفه، ونمارسه بمزيد من الإيمان بالمطلق، المطلق البعيد والمجافي لما تعتقدونه يا جيران السوء. وما الحدود التي تفصلنا عنكم بانحيازها الفاضح سوى شريط من الهواء المسموم، يحمل إليكم من الخير أكثر بكثير مما يحمل إلينا من شروركم.

وكما تتقن السماء غزل الشهب، تتقن الأرض فنّ التلقّي، تتقن ارتداء النار كما تتقن الغناء لخيوط النور. فيا أيها العابرون أرضنا وسماءنا، قفوا قليلاً، أو توقّفوا، انشغلوا ولو قليلاً بما يهمس به فينيقيّ صغير وهو يعتمر قبعته، ويرفع موّاله وبندقيته أمام حدود مارقة. أنصتوا أيها العابرون لبندقية تغني، فهي تعرف من العتابا أكثر بكثير مما تعرف من الصراخ القاتل.

»سيّد كيري«… البيت لنا، »ولا احد في هذا العالم« يستطيع سرقة عباءاتنا، ولا تحوير الشدو إلى »جعير« لا أحد في هذا العالم يجبرنا أن نفتح نوافذنا على جهة لا نريدها. بأيدينا نرفع عُمُدَ البيوت، وبأيدينا نسيّج الحقول. نحن من سمح بنشر الحراج وبسطها حول الوديان والتلال، نحن فعلنا ذلك ليقيننا من أن بلاداً لا تنشر ثعالبها لن تتعلّم كيف تدافع عن طيورها.

أرضنا لنا أيها العالم المتسارع نحو هاوية لعينة، فلتذهبوا إلى مآلكم بعيداً عن أرضنا. هنا نزرع الخوخ لنقطف الثمار بأيدينا، أطفالنا يحبون الثمار المغسولة بندى الصباح، ولأنهم يحبون ذلك ويرغبون به نعلمهم حراسة الحقول جيداً، فيصيروا فينيقيين بحق، يرفعون بنادقهم ويغنون. عين على الحقول النضرة، وأخرى على حراج قريبة. ومن لم يَرْتَبْ بحدود الهواء ستأتيه السموم من حيث يدري أو لا يدري. هكذا يقول فينيقيّ عتيق.

العدد 1140 - 22/01/2025