قانون تنظيم العمالة المنزلية رقم10 في مواجهة واقع مرير

مهنة الخدمة المنزلية قديمة في المجتمع سواء للمرأة أو الرجل كل حسب اختصاصه، إلى أن جاءت موضة استقدام العاملات الأجنبيات (من دول شرق آسيا) لتقضي على معظم فرص السوريين في هذا المجال، إضافة إلى خروج مبالغ كبيرة بالعملات الأجنبية خارج البلاد مما ترك أثره السلبي على الاقتصاد المحلي، وهذا ما أثار الكثير من النقاشات والجدل حوله، وحول ما تعرضت إليه بعض العاملات في المنازل، حينذاك ارتفعت الأصوات مطالبة بتشريع يحدد حقوق هذه العمالة وواجباتها.

لكن، وبعد الأزمة الحالية التي عصفت وتعصف بالبلاد والعباد عادت الأصوات لترتفع مجدداً مطالبة بترك فرص العمل المنزلي للسوريين (نساءً ورجال) بسبب الحاجة المضنية وخسارة الكثيرين لأعمالهم ووظائفهم بسبب ما جرى ويجري من تخريب ونهب لجميع الأماكن والمؤسسات والشركات، والأهم بسبب خسارة الكثير من الأسر لمعيلها الأساسي (الرجل) بحكم الموت أو القتل أو الاعتقال والخطف، أو حتى المشاركة بالأعمال القتالية، مما جعل المرأة تبحث عن أعمال تقيها شرّ السؤال من أجل إطعام أطفالها وتلبية متطلبات الأسرة في زمنٍ خانق مادياً، وانطلاقاً من هذا كان لا بدَّ من وجود قانون يحمي أولئك العاملين/ ـات، ويوضح التزاماتهم وحقوقهم، لذا جاء القانون رقم10 لعام 2014 كي يُلبي تلك الحاجات، كما صرّح وزير العمل السيد حسن حجازي حين قال إن القانون يأتي انطلاقاً من دور وزارة العمل وصلاحياتها بإعداد التشريعات العمالية الناظمة لعلاقات العمل، ووضع النظم والقواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسات العامة للتشغيل في سورية، مؤكداً أهمية وضع إطار تشريعي ينظم مهنة العمل المنزلي للعمالة السورية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية والاستعاضة عن العمالة المنزلية الأجنبية بالمحلية، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة وتحسين الحالة المعيشية للأسر السورية. (1) 

بنظرة متفحّصة للقانون المذكور، نجد أن أغلب مواده (27 مادة) جاءت مخصصة للعلاقة مع أصحاب مكاتب التشغيل، وفي حين لم يتطرق إلى المستفيدين أو العمال إلاّ في المواد8- 9- 14 الفقرة أ البند،3 والمواد 15- 20- 21- 23. وهذا ما يجعلنا نرى أن القانون مصدر جباية أموال بالدرجة الأولى، وأن العلاقة الأهم أو التشريع الأهم هو لأصحاب مكاتب التشغيل فقط، إضافة إلى أنه لم يحدد ولم يُسمِّ الأعمال المنزلية المشمولة بالقانون، فالأعمال المنزلية متعددة ومتشعبة، ومترابطة بعضها بالآخر، وهنا على القانون أن يحددها ويسمي الأشياء بمسمياتها الصريحة كي لا يفتح مجالاً للتلاعب بحقوق العاملين في هذا المجال، وقد جاءت المادة8 لتحدد العلاقة ما بين جميع الأطراف المعنية والمذكورة بالقانون فنصت على:

المادة 8- أ- تُنظّم العلاقة العقدية بين العامل المنزلي والمستفيد والمكتب، وتُحدد التزامات وحقوق كل من الأطراف وبدلات أتعاب المكتب في التعليمات التنفيذية.

ب- يُحرر عقد العمل المنزلي وفق النموذج الذي يصدر بقرار من الوزير على أن يتضمّن على الأخص:

* اسم وعنوان كل طرف بشكل واضح ومُفصّل.

* عنوان مكان العمل.

* طبيعة العمل المنزلي محل التعاقد.

* مدة العقد.

* الأجر المتفق عليه بين الطرفين وطريقة وموعد أدائه على ألاّ يقل عن الحد الأدنى للأجور، وسائر المزايا النقدية أو العينية المتفق عليها بين الطرفين.

* الزيادة الدورية لأجور العامل المنزلي مرة كل سنتين وبنسبة(10%)

* ساعات العمل.

* حقوق والتزامات العامل المنزلي والمستفيد والمكتب.

هذه المادة جيدة إلى حدٍّ ما باعتبارها فرضت تحديد طبيعة العمل وساعاته في العقد، وكذلك الأجر بما لا يقل عن الحد الأدنى العام للأجور، إضافة إلى فرض زيادة دورية على الأجور مرة كل سنتين وبنسبة مقبولة(10%) ونأمل أن يكون التطبيق صارماً، والعقوبات أشد أسوة بالعقوبات المفروضة على صاحب المكتب في هذا القانون، على اعتبار أن هذا يمس مباشرة لقمة عيش العامل وأسرته.

المادة 9- يلتزم المستفيد بتسجيل العامل المنزلي في صندوق إصابات العمل لدى فرع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في المحافظة التي يُقيم فيها، وذلك خلال فترة عمله لديه.

وهذه المادة خطوة جيّدة أيضاً إذا تحقق الالتزام بها فعلاً من قبل المستفيد، لأنها تصب في مصلحة العامل وحمايته إذا ما تعرّض لإصابة عمل تقتضي مصاريف ومبالغ ليس بمقدوره تأمينها.

المادة 15- أ- يُعاقب كل مستفيد يخالف التزاماته الناشئة عن عقد الاتفاق المبرم بينه وبين المكتب بغرامة قدرها 50 ألف ل. س فقط خمسون ألف ليرة سورية.

ب- يُعاقب كل مستفيد يخالف التزاماته الناشئة عن عقد الاتفاق المبرم بينه وبين العامل المنزلي بغرامة قدرها 25ألف ل. س، فقط خمسة وعشرون ألف ليرة سورية.

من الواضح أن هذه المادة تُحابي أصحاب المكاتب على حساب العمال المنزليين من حيث قيمة الغرامة المضاعفة لصاحب المكتب، ونرى أن في هذا ظلماً واضحاً للعامل الذي يبذل جهداً مضاعفاً عن جهد صاحب المكتب، إذ يجب أن تكون الغرامة وفقاً للجهد وليس للمكانة، إضافة إلى أنها غرامة هزيلة لمن يملكون المال الذي يؤهلهم لاستخدام الغير في أعمالهم المنزلية، أي أنهم من الطبقة المخملية، وهذه المبالغ تُعتبر تافهة أمام ما يملكون وينفقون.

المادة 20- مع مراعاة أحكام القوانين والأنظمة النافذة ذات الصلة، تحل النزاعات الناشئة بين العامل المنزلي، والمستفيد، والمكتب في معرض تطبيق أحكام هذا القانون عن طريق القضاء، أو التحكيم وفقاً لأحكام القوانين والأنظمة النافذة.

لم تُسمِّ هذه المادة ولم تحدد الجهة القانونية أو القضائية المخوّلة بحل النزاعات والخلافات الناشئة بين جميع الأطراف المذكورين في هذه المادة، إضافة إلى تحديد القانون الذي يجب أن يكون مرجعاً للجهة التي ستقضي بحل تلك الخلافات. 

المادة 21- أ- يلتزم أصحاب المكاتب والمستفيدون بالمعاملة الإنسانية والأخلاقية للعامل المنزلي، ويُعدُّ كل منهم مطلعاً على الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية، وعلى القوانين والأنظمة الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان في كل ما يتصل بالعمل المنزلي. أعتقد أن هذه المادة مثيرة للدهشة والاستغراب بحكم الجهل المجتمعي العام بالقوانين الضرورية لحياة الأفراد، فكيف والأمر هنا يتعلق بالاتفاقيات الدولية التي تفرض التعامل الإنساني والأخلاقي مع العامل المنزلي مهما كان نوع عمله؟ وهل هناك من يقيم وزناً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية..؟ ثمّ ما هي القوانين والأنظمة الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان..؟ وأين هي تلك المتعلقة بالعمل المنزلي..؟ وإن كانت قائمة فعلاً مثل هذه القوانين، فلماذا يصدرون قانوناً ينظم وضع هذا النوع من العمالة والعمل..؟

المادة 23- يُحظر على صاحب المكتب، أو العاملين فيه، أو المستفيد، المساس بكرامة العامل المنزلي، أو إهانته، أو تعذيبه، أو ضربه، أو شتمه، أو استغلاله، أو تكليفه بأعمال ليست من طبيعة العمل المنزلي تحت طائلة فرض العقوبات التي تنص عليها التشريعات النافذة بهذا الخصوص. لم توضح هذه المادة ما هي العقوبات المنصوص عنها في التشريعات النافذة، ثمّ لمَ لا يكون القانون وافياً متضمناً كل القضايا المتعلقة بالخلافات الناشئة بين أطراف العقد، إضافة إلى تحديد العقوبات في نص القانون بدل اللجوء إلى تشريعات أخرى ربما يضيع معها حق أيّ من الأطراف، وطبعاً الحلقة الأضعف في هذه الأطراف هو العامل. قد تأتي التعليمات التنفيذية ملبية لتساؤلاتنا، لذا نحن على موعد معها حين صدورها.

وأود أن أشير إلى ما طالب به بعض أعضاء مجلس الشعب أثناء مناقشة مشروع القانون، من ضرورة إلغاء مكاتب تشغيل العمال المنزليين وتنظيم عمل هذه الشريحة عن طريق وزارة العمل ومؤسسة التأمينات الاجتماعية. (2)

وهنا لا يسعنا إلاّ أن نضم صوتنا إلى أصوات أولئك الأعضاء من أجل  حصر المهام والمسؤوليات المترتبة على عمل هذه الشريحة بجهة حكومية تكون مخوّلة بالحفاظ على حقوق الجميع من جهة، ومن جهة أخرى من أجل قطع الطريق على مكاتب التشغيل الخاصة التي لا همّ لها سوى ما تجنيه من أرباح على حساب كل من المستفيد وطالب العمل.

بالمجمل، ووفق الوضع القانوني والاجتماعي السائد في ظل أزمة ما زالت تُرخي بظلالها الكئيبة على الشرائح الأضعف في المجتمع ومن كل الاتجاهات والمسارات، نرى أن هذا القانون وما سيصدر من تعليمات تنفيذية له هو ولا شك أمام تحدٍّ كبير من أجل حماية حقوق تلك الشريحة الباحثة عن عمل شريف يقيها ذلَّ السؤال، فهل سيكون حقاً على المستوى المطلوب والمُراد منه..؟

العدد 1140 - 22/01/2025