ملتقى التصوير الزيتي بالسويداء… التشكيل من وحي الأدب

بمشاركة عشرة فنانين من جميع المحافظات السورية أقامت مديرية الفنون الجميلة ومديرية الثقافة بالسويداء برعاية من الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، فعاليات ملتقى التصوير الزيتي الثالث بعنوان (التشكيل من وحي الأدب).

وضمن فعاليات الملتقى قدم الأستاذ الدكتور نذير العظمة محاضرة حول (القصيدة والإزميل في التراسل بين المخيلة والعين في شعر أبي ريشة)، أكد فيها أنه يتمثل التراسل بين المخيلة والعين في شعر عمر أبي ريشة في ثلاث قصائد (المرأة والتمثال) وقصيدة (جان دارك) وقصيدة (معبد كاجوراو)، وهي قصائد تخلت عن وحدة البيت التي عرفناها في القصيدة العربية الموروثة إلى وحدة القصيدة في موضوعها وبنيتها الفنية، وعبرت عن فكرة مركزية في بؤرة القصيدة، تجلت في أسطورة أو تمثال لهذه الأسطورة تعبر عن موضوعة فكرية. وقد حرص الشاعر في هذه القصائد الثلاث على استلهام الشعر لا من الوجدان الينبوع الأساسي للشعر، بل من لوحة أو تمثال أو صورة على طريقة الرمزيين في التعبير عن مقابلات الحواس وتداخلها بين فن الشعر وفن الرسم والنحت. ما اصطلح عليه (بودلير) أو التعبير عن حاسة بحاسة أخرى يحول اللوحة أو التمثال إلى قصيدة من خلال تراسل المخيلة والعين، فالفنان الذي يجعل من الحجر أو الرخام صورة تخاطب الوجدان من خلال العين يقدم للشاعر فرصة تحويل هذه الصورة المرئية إلى صورة سمعية منطوقة من خلال القصيدة.

وفي اليوم الثالث ألقى الدكتور ثائر زين الدين محاضرة عن القصيدة البصرية، بين فيها أنه لا يكفي أن تستمع إلى القصيدة، بل لا بُدّ لك من أن تنظر إليها، وترى كيفَ كُتبت، بل كيفَ رُسمت! إنها قصيدةٌ تعتمدُ على توظيف حاسةِ البصر  لا لقراءةِ جُمَلها فقط، ولكن لمتابعةِ طرائق تشكّلها ونظامِ توضع مفرداتها وإشغالها لمساحة الورقِ بما يحقق لها غاياتٍ فنيّة وفكريّة محدّدة. وبالتالي فلا يمكن التعامل مع هذا اللون منِ الشعر دون استخدام حاسة البصر في تلقيّه، ومن هذا المنطلق غلب مصطلح (القصيدة البصرية ) على غيره من المصطلحات، التي تناولت على الأغلب جانباً من جوانب هذه الظاهرة دون سواه، ومرحلةً زمنية ما دون سواها، أو التي جاءت وليدةَ طموحٍ كبيرٍ. مستشهداً بأمثلة عن (الشعر الهندسي وأشكال هندسيّة أخرى كالدائرة والمثلّث والمربع والمخمسّ والمعيّن في شعرنا العربي القديم، المحبوك الطرفين) و(الشعر المرسوم)، وقصيدة البياض والفراغ وقصيدة الشكل الخطي( أو الغرافيكي). وهناك مصطلحات أخرى أوربية أو بتأثيرات أوربيّة مثل (القصيدة المجسّدة)، (والشعر الحروفي، والشعر الصاخب، وقصيدة التباديل، وقصيدة العلامات)، و(التشكيليّة).

وفي اليوم الرابع أقيمت أمسية موسيقية غنائية للفنان راضي عزام، الذي عزف على آلة العود أنغاماً وأغاني للموسيقار محمد عبد الوهاب وغيره.

وفي اليوم  الخامس أوضح الأستاذ سلمان عزام ضمن محاضرة له بعنوان (التأثير المتبادل بين اللوحة والقصيدة) أن اللوحة كما القصيدة عمل إبداعي وولادة جديدة لا تأتي إلا نتيجة تراكمات جمة، والملاحظات الحسية والوجدانية، وبعد معاناة وتحد واحتراق، تعدّ تلك الولادة انتصاراً للحياة، لأن الشاعر كما الرسام نجح في وقف دوران عجلات الزمن عند لحظة معينة، ثم خلّدت تلك اللحظة شعراً أو تصويراً. ولأن الزمن يحملنا إلى الموت والعدم، فإنه عدو في نظر المبدعين. لذا يخاطبه لامارتين قائلاً: (أيها الزمن، أوقف طيرانك، وأنتِ أيتها اللحظات السعيدة، كفي ولو قليلاً عن الهروب)، بينما يقول المتنبي:

ولو برزَ الزمانُ إليَّ شخصاً

لخضَّب شعرَ مفرقِهِ حسامي

مؤكداً أن الأداء في اللوحة والقصيدة هو أداء نفسي سيكولوجي نابع من إحساس صادق ومرتكز على موهبة الفنان وفنية التعبير لديه لترجمة الإحساس إلى شعر أو صورة. أما بالنسبة إلى المتلقي فثمة حوار صامت ينشأ بينه وبين العمل الفني أو الأدبي ينتهي بموقف ما، تعصف بمشاعره لحظة انتشاء، تحمله إلى الآفاق التي أراد صاحب العمل إيصاله إليها. أو على العكس ربما يشعر باللامبالاة. هذا الأداء يحصل في مجتمع ما ومكان وزمان ما، أعني أن العمل وليد بيئة اجتماعية لها نهج فكري وسياسي وروحي معين، وبيئة جغرافية وزمنية.

وفي اليوم الأخير اختتمت الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة الملتقى بتوزيع شهادات التقدير والمكافآت على الفنانين المشاركين، وافتتحت معرضاً للوحات الفنية المنجزة في الملتقى، بحضور فعاليات ثقافية وأدبية وفنانين وأساتذة من كلية الفنون الجميلة في المحافظة، فقالت الوزيرة: إن نجاح الأمم يكمن في إدراكها لمزايا ونقاط قوتها والبناء عليها، ومبدعونا هم دون ريب إحدى مزايا هذا الوطن، والتمسك بالجمال والإبداع بشتى صوره إنما هو تمسك بإرادة الحياة وإصرار على بث الأمل في النفوس، أمل بوطن سالم آمن وغد مشرق بإذن الله. وأضافت السيدة الوزيرة: لذا فإن وزارة الثقافة حريصة كل الحرص على رعايتهم وتنمية مواهبهم والبناء عليها. وانطلاقاً من قناعات وزارة الثقافة وأهدافها. كان الغرض من إقامة هذا الملتقى تشجيع التعبير الإبداعي المستند إلى ثقافة ثرة مع المحافظة على الذات والهوية ركناً أساسياً من أركان الأصالة المتجددة، وهو الحصانة من القبح والأرض الخصبة للفساد الأخلاقي. 

يذكر أن الفنانين التشكيليين المشاركين هم: (فراس الشيخ، جورج ميرو، سوسن الزعبي، نبيل السمان، حكمت نعيم، سوسن أبو فراج، عادل أبو الفضل، منير العيد، سمير درويش، جمانة جبر).

العدد 1140 - 22/01/2025