إيبولا!
هل لحمى الأمراض السارية والمعدية نظائر في ساحة الأدب والإبداع؟
وهل لها تجلياتها على التفكير ليصبح التفكير أكبر من خوف وأقل من هاجس؟
لطالما شكل التفكير بذاته ولذاته قيمة كبرى لدى الإنسان، لكن أن يفكر بما ينقض التفكير وبما يشبه استعلاءً عليه ليذهب إلى ما سنسميه لاحقاً حمّى اللا تفكير التي يبدو أن لها نسباً صريحاً مع الأمراض. ما قيمة أن تفكر إذن أنت موجود؟ والعكس ما قيمة أن لا تفكر هل أصبحت في راحة أبدية؟ وهل استرخت قواك الحية في التأليف ما بين مفاصل الحياة وإحراز المعنى الذي ينطوي عليه وجودك؟ إذاً عدنا إلى معضلة ذات سياق تراجيدي وربما كوميدي في الوقت ذاته، ليصبح إنسان هذا العصر خارج ما أنجزه الفلاسفة وعلماء هندسة الأعصاب ومنظرّو التفاؤل الإيجابي ومولعو الطاقة الإيجابية ليصبح الإنسان كما ذهب فريدريك نيتشه إلى القول في زمن مضى: (الإنسان ذئب الإنسان) إذ إن تلك الذئبية المستطيرة في أنساق المعرفة على الأقل قد أصبحت شيئاً مألوفاً، ولا يظنّن أحد أنه بمنجى عن قدر رسم بدقة الفرجار، عما يتهدده آجلاً أم عاجلاً.
على هذا النحو نصبح في فلسفة الخوف لننشئ خوفاً جديداً، على ما ذهب فلاسفة في الإيحاء بأن الخوف هو الهوى الجديد. في الإبداع تأخذ المسألة أبعاداً أخرى أكثر جدلاً وتستحق أن تنتمي إلى الثنائيات الصلبة التي أصبح من الصعب تفكيكها أو إزالة عدواها، و(إيبولا) هنا المشتقة من ذلك المرض الخطير والتي قد تجد نظائر لها في عالم الكتابة والإبداع ستصبح خوفاً جديداً ربما يتهدد الكائن في نومه وقيامه وحديثه، إذاً نحن كائنات الخوف بامتياز، من المجهول، من المصير، لكن في حقل الكتابة تأخذ المسألة مفارقات إضافية يفسدها الشرح، ويزيد في ألقها التأويل، لطالما كان التأويل قدرة ذلك الكائن على أن يمنح ذاته شرف التفكير المتعدد ليقصي أحادية تنغلق على ذاته هو فيما العالم يمضي إلى شأنه غير مكترث بالنتائج، يمضي العالم مثل حكاية مرسومة تبدأ كما تبدأ القصص الجميلة بحدث ما، ليكسو عظامَ الكلام لحم المعنى، وفي توتر السياق والقفلة ثمة ما يوشك على أن يبدأ من جديد، هكذا تأخذنا الحياة إلى كل مفازاتها الجديدة، وروائحها العميقة، نكاد نشتم الخوف ولكننا لا نراه، بعضهم يرى أن حياته انطوت على قصة قصيرة جداً، وآخرون رأوها ومضة جميلة تشرق في الذاكرة، نتساءل من جديد عما إذا كان الخوف من المجهول هو تناقضنا وكيف نكتبه إبداعاً يجترح الحياة، فلما لا يكون لصيق أرواحنا لتنتبه، ولصيق قلوبنا لتنبض أكثر؟ كانت في زمن مشتهى عناوين دالة في السينما وفي الرواية: (شيء من الخوف) أو (إيبولا) لتاج الدين السر، تلك الرواية الكاشفة تؤسس من جديد (لإيبولا) لعلها تظهر بأشكال متعددة، اللافت فيها أنها اقتصرت على خوف من مرض معدٍ في غير مكان واستنفار حثيث لمحو آثاره، كيف سنمحو آثاره في الأدب والإبداع؟ إذاً هي كتابة الخوف من الخوف، وكتابة الحياة إلى الحياة حتى نعبر إلى لحظة إشراق ربما كان اسمها لحظة التنوير التي لا تبدد الخوف، وإنما تستبدل به المطمئن من الكلام لكن يقين الكلام سيظل على سطوح هشة طرية، لأنها جدلية الأشياء وإلا كيف نستحق المعنى لنذهب إليه ولا ننتظر أن يأتي إلينا المعنى الذي يؤلف كل أقانيم الخوف في ذاكرتنا الجمعية، كاد الخوف أن يكون إنساناً، ولا معنى لإنسان بلا خوف، لكن أن يكون الخوف فحسب فذلك ما يقصي المعنى وما يقتل ولو مجازاً أسرى الجائحة لا الواقعون تحت تأثيرها فحسب.
في الخوف نصنع متخيلنا، لعله – المتخيل- من يظفر دائماً بأن ثمة أحياء أكثر علاقة بالحياة وأنبل تعبيراً عنها.