روح الأمل المتجدد

يشرّق المبدع في الكتابة، ويغرب، ثم يجد، في النهاية، نفسه غارقاً في هموم الوطن، والأمة حتى صميم الصميم، يجد نفسه متلذذاً بالخبز اليومي المر، الذي تعود عليه أبناء شعبه، وهذا الخبز المر كالحنظل، يبقى داخل البيوت: بهمومها، وأسرارها، وأحزانها الدفينة داخل تلك البيوت، التي تحفظ علاقاتها بأهليها، وساكنيها، حفظاً لا حدود له، ولا نهايات، كما أكد المثل ذلك (للبيوت أسرارها)، وكذلك المثل الشعبي الذي تردده الألسن على الدوام: (البيوت مغلقة، والهموم مفرقة!) أي هي موزعة بين البسطاء بالتساوي المشترك، ومع ذلك، فالعذوبة الفائقة في أولئك البسطاء الرائعين أنهم: تجمعهم في الشوارع تلك الألفة المحببة، والابتسامة النقية، الشفيفة، وكذلك في الحدائق، عندما تطلق الأسر المجتمعة هناك العنان لفرحها ومرحها ولهوها الفطري الجميل مع الطفولة المشاغبة، ناسية  للحظات عابرة: أحزانها، ووجعها، وآلامها، وجراحها، منطلقة إلى الحياة بروعة التفاؤل والأمل، حتى لتشترك معها في فرحها، وتفاؤلها، وأملها المتجدد بالفطرة: الأشجار، والأنهار، والعصافير، والمساءات الندية التي تطبق جناحيها على تلك اللحظات الرائعة!

شعب تعود على الخبز اليومي المر بضحكة ساخرة، ودامعة، شيء في الظاهر الفطري البريء، مختلف تماماً عن جوهر يفيض، ويغص بالأسى، والذكريات الموجعة، والمرارات المتعاقبة تماماً: كالليل والنهار، وطقوس الحياة المملة… الرتيبة، ومع ذلك، فلو نفضت عن كاهل الملايين البسطاء الرائعين، غبار الهم والمرارات، والأسى، لكشفت في تلك الملايين التي نظنها سادرة في سباتها، وغيابها، وبياتها الشتوي الطويل للغاية! لكشفت، واكتشفت روحاً: هي روح الأمل المتجددة على الدوام، لا تقهرها الحادثات، ولا تحد من عزيمتها خطوب الدهر قاطبة! إننا بحاجة دوماً إلى مثل تلك الروح، واستنهاض همم البسطاء الطيبين في اللحظات الحرجة والحاسمة جداً، فأولئك هم ذخيرة الوطن والأمة، هم زادنا، وثروتنا الوطنية الفاعلة، وحماة الظهور والثغور في الملمات الصعبة، والمهمات الضارية! ولو غصت في أعماق تلك الفئة النقية المخلصة المضحية لوجدتها: هي الطليعة الحقيقية المقاومة، والمستعدة لفعل أي شيء، والتضحية بأي شيء، إذا ما طلب منها في اللحظة الحاسمة، ردة الفعل الحاسمة، وكم سمعت من أولئك البسطاء جملة: لو اقترب الآخرون منا، وعاشوا معنا شراكة الحياة الحقيقية لوجدونا في اللحظة الحاسمة، ردة الفعل الحاسمة، وما زال في الأعماق نبض يردد:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدرْ

ولا بد لليل أن ينجلي..

ولا بد للقيد أن ينكسرْ!

العدد 1140 - 22/01/2025