جبران ونعيمة

جبران ونعيمة ولدا في العقد التاسع من القرن التاسع عشرفي لبنان. فقد ولد جبران في بلدة بشري في لبنان عام ،1883 وعاش ثمانيةً وأربعين عاماً إذ توفي عام 1931 بمرض السل، بعد أن أُصيبت إحدى رئتيه بهذا المرض، ورفض جبران استئصالها فانتقل المرض إلى الرئة الثانية. ومات جبران في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وُنقل جثمانه إلى مسقط رأسه، بلدة بشري، بموجب وصيته.ترك جبران ستة عشر كتاباً، كتب نصفها باللغة العربيّة، والنصف الآخر باللغة الإنكليزيّة. وهو رسام وشاعر عبقري. نظم قصيدة (المواكب) عام (1919). أمّا ميخائيل نعيمة فقد ولد في قرية لبنانية اسمها بسكنتا عام ،1889 سافر والده إلى الولايات المتحدة عام1890،وقضى هناك ست سنوات، وعاد من المهجر كما ذهب إليه، أي من دون ثروة. توفي والده عام 1937. وعاش طويلاً أكثر من ثمانين عاماً.

افتتحت روسيا عام 1899 في قرية بسكنتا مدرسة،  وتخرج فيها ميخائيل نعيمة عام ،1902 وبعدها التحق بدار المعلمين الروسية في الناصرة بفلسطين، إذ درس هناك ما بين (1902و1906) .ودرس نعيمة في روسيا ما بين  عامي (1906-1911). ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة بهدف الدراسة،وحصل على إجازة باختصاصي الآداب والحقوق عام 1916  تعرف إلى جبران وعاشر هذا الصديق خمسة عشر عاماً، أيّ منذ عام 1916 إلى عام ،1931 وهو العام الذي توفيّ فيه جبران. أربعة أعوام قبل تأسيس الرابطة القلمية من عام 1916 إلى عام  1920 وإحدى عشرة منها بعد تأسيس الرابطة، فميخائيل نعيمه يعرف جبران خليل جبران معرفة جيدة، فكما يقول الكاتب: خبزه وعجنه، وعرف اتجاهاته الفكرية والفنية، وخبز طباعه ونزواته، وتغلغل حتى في صميم روحه.

وهناك تقارب كبير وعجيب بين تفكير نعيمه (1889- 1988) وجبران خليل جبران في شؤون الحياة والموت، وبين ذوق نعيمه وجبران فيما يتعلق بالأدب ورسالته. فكلاهما يؤمن بأن وراء المحسوسات قوة لا يطاولها الحسّ. فهي الجوهر والمحسوسات أعراض لاغير، وهي المصدر والموجّه والمنظّم والمدبّر. ويتخذ كلًّ من جبران ونعيمه يتخذ من الكلمة أداة للتعبير عن نظرته إلى الحياة. وكلّ منهما يأبى عليه ذوقه أن يجعل من الكلمة أداة للحذلقة والتدجيل والتبرّج، ويأبى أن تتجمدّ الكلمة في قوالب تسلبها مرونة الحركة وزخم الحياة. فوضع ميخائيل نعيمه كتابه عن جبران خليل جبران عام 1934. فكانت غايته من وضع الكتاب هي توضيح الشوط الذي قطعه جبران في عمره القصير. وتوضيح إلى أي حد كشف في أدبه معنى الحياة. ويقول نعيمه إن المحبة التي أبصرها جبران بخياله وأحب أن يوجّه إليها حياته محّبة لايطمع في الوصول إليها إلا جبابرة الروح.

وتحدّث نعيمه في سيرته الذاتيّة، أيّ في كتابه سبعون (1959-1960)، عن الحركة الأدبيّة التي قامت في المهجر، وعن مجلتي (الفنون) و(السائح)عندما أقام نعيمه في الولايات المتحدة. شارك في تأسيس الرابطة القلمية في 20 نيسان عام ،1920 وتألفت من عشرة كتاب، منهم نسيب عريضة (1887- 1946)، ورشيد أيوب (1871 -1941)، وندرة حداد (1886 – 1950)، وإيليا أبو ماضي (1889-1957). وكان جبران خليل جبران عميد الرابطة، ونعيمه مستشارها. وكانت تنشر مؤلفاتها في مجلتي (الفنون)، (والسائح). أمّانظرة الرابطة إلى الأدب وأهدافها فقد عبّر عنها نعيمه بقوله: (ليس كلُّ ما سطّر بمداد على قرطاس أدباً. ولا كلّ من حررّ مقالا أو نظم قصيدة موزونة أديب. فالأدب الذي نعتبره والذي يستمد غذاءه من تربة الحياة ونورها وهوائها…. والأديب الذي نكرمه هو الأديب الذي خص برقّة الحسّ، ودقّة الفكر، وبعد النظر في تموّجات الحياة وتقلبّاتها، وبمقدرة البيان عمّا تحدثه الحياة في نفسه من التأثير.

إن هذه الروح الجديدة التي ترمي إلى الخروج بآدابنا من دور الجمود والتقليد إلى دور الابتكار في جميل الأساليب والمعاني. إذا ماعملنا على تنشيط الروح الأدبية الجديدة فلا نقصد بذلك قطع كلّ علاقة مع الأقدمين. فبينهم من فطاحل الشعراء والمفكرّين من ستبقى آثارهم مصدر إلهام لكثيرين غداً وبعد غد. إلاأننا لسنانرى في تقليدهم سوى الموت لآدابنا.)(1)

وضع ميخائيل نعيمه كتاباً عن حياة جبران خليل جبران وأدبه، وصدرت الطبعة الأولى في بيروت عام 1934 أي بعد مرور ثلاثة أعوام على وفاة جبران خليل جبران، وبعد مرور عامين على عودة ميخائيل نعيمة إلى لبنان من الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن الكتاب يبتعد عن الموضوعية، ويعد تجسيداً لعلاقة ميخائيل نعيمه بجبران، وهي علاقة على مايبدو لاتخلو من الغيرة والحسد، كما أشار الأديب أمين الريحاني (1876-1940) يقول نعيمة في كتابه: (ومنهم من عاب عليّ (فضح) أسرار جبران في علاقاته الجنسيّة، مدعياً أن في ذلك خرقاً لحرمة الصداقة التي تشدني إلى جبران، ومنهم، وذلك منتهى السخافة، من رأى في صراحتي حطاً متعمداً من منزلة جبران الأدبيّة لترجح كفتي على كفته).

وكتب أمين الريحاني عن الكتاب المذكور في جريدة (البلاد) التي كانت تصدر آنذاك في بيروت، وذلك في 6 كانون الثاني عام 1934 رسالة مفتوحة موجهة إلى نعيمه: (… رأيت في جذع شجر تكاثراً للسوس أخشى عليها منه، وجئت أعلمك بذلك لأني معجب بها وبثمارها، وبكلمة لا استعاره فيها، لقد بان لي، وأنا أطالع الكتاب، أنّك ما أشفقت على أدبك من أنانيتك …).

ينتقد أمين الريحاني كتاب نعيمة المذكور، لأنّه فضح أسرار جبران الشخصيّة، ولوكان جبران يريد فضحها لكتبها نفسه، فإذا سلمها أمانة لصديقه، فليس من حق الصديق فضحها، ولاسيما لكل الناس، بكتاب منشور يستطيع قراءته كل من يشاء، فالسر أمانة، وكان على نعيمة الوفاء لجبران على الأقل بعد وفاته.

ويرد نعيمة على الريحاني في الجريدة ذاتها، أي جريدة (البلاد)، وذكر في رده البيتين التاليين لجبران:

والحبّ إن قادتْ الأجسامُ موكبَه

إلى فراشٍ من اللّذّات ينتحرُ

والحبُّ في الروحِ، لا في الجسمِ، نعرفه

كالخمرِ للوحي، لا للسكرِ، تنعصرُ

 

 المصادر: 

1-      نعيمة،  ميخائيل . الأعمال الكاملة . المجلد الأول، بيروت. دار العلم للملايين،  1979، ص446.

 

 

العدد 1140 - 22/01/2025