سورية: الإمبريالية في حفرة وما زالت تحفر
في لقاء مع (فورين أفيرز) مجلة إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، شرح الرئيس السوري بشار الأسد أن الصعوبات الخاصة التي واجهها العراق في الدفاع عن سيادته نابعة مباشرة من أعوام الاحتلال الإمبريالي للبلد.
(بول بريمر لم يضع دستوراً لدولة، بل وضع دستوراً لفصائل.. أما في سورية، فلماذا صمد الجيش على مدى أربع سنوات رغم كل هذا الحصار، ورغم هذه الحرب ومشاركة عشرات الدول فيها ضد سورية ودعمها للجماعات المسلحة؟ لدينا دستور علماني.. بينما دستور العراق طائفي).
وفي تعليق على السلوك الغريب للولايات المتحدة في سورية، أشار الرئيس الأسد إلى أنه (حتى الآن لم نر شيئاً ملموساً رغم الهجمات ضد (داعش) في شمال سورية، ما نراه حتى الآن هو مجرد عمليات تجميلية، وليس شيئاً حقيقياً).
الإمبريالية تقصف سورية وليس الدولة الإسلامية
الإمبرياليون جادون بالطبع بشأن مهاجمة البنية التحتية في سورية، مع الاهتمام بشكل خاص بمصافي النفط. المصافي مستهدفة بذريعة واهية هي أن تهريب النفط مكسب كبير للدولة الإسلامية. وهذا تفسير يتجاهل دور تركيا والغرب كمستفيدين نهائيين من تجارة النفط غير الشرعية هذه.
لماذا لا تدمر الطائرات الحربية الشاحنات، إذا كانت التجارة غير الشرعية هي ما يزعج واشنطن حقاً؟
الأرض المكشوفة لا تساعد على النقل السري لكميات كبيرة من النفط. وفي المقابلة نفسها، شرح الرئيس الأسد الفارق بين دور إيران وتدخلات الولايات المتحدة في سورية.
اقتبس محاور الأسد من مقابلة (دير شبيغل) الألمانية مع قائد الحرس الثوري الإيراني قوله إن إيران تخطط لبناء وتشغيل معامل صواريخ في سورية. شرح الرئيس أن هذا كله بمعرفة تامة وموافقة دمشق، كما هو كل جانب من علاقات سورية مع إيران.
(إن إيران ليس لديها أي مطامع في سورية.. ونحن في سورية لم نسمح لأي بلد بأن يكون له نفوذ.. إننا نسمح بالتعاون).
وفي مقابل هذا النموذج من علاقات الجوار، وضع الأسد الدور المتغطرس للولايات المتحدة والبلدان الإمبريالية الأخرى. سئل عن رد فعله على قرار الولايات المتحدة تدريب خمسة آلاف من الإرهابيين القتلة الذين يزعم الجنرال الأمريكي جون ألن أنهم سيركزون على الدولة الإسلامية، ولن يكونون موجهين ضد قوات الحكومة السورية. كان الرئيس الأسد صريحاً:
(أي قوات لا تعمل بالتعاون مع الجيش السوري هي قوات غير قانونية وتنبغي محاربتها.. هذا واضح جداً. دون التعامل مع القوات السورية فهي غير قانونية، وهي دمى في أيدي بلد آخر.. وبالتالي ستتم محاربتها كأي ميليشيا غير قانونية أخرى تقاتل ضد الجيش السوري).
باختصار لايوجد لدى القيادة السورية شك: ما تسمى الحرب على الدولة الإسلامية هي حقاً محاولة إمبريالية يائسة للحفاظ على مسكة خانقة في الشرق الأوسط. وكل قنبلة تسقطها الولايات المتحدة فوق العراق وسورية عمل عدواني ضد سيادة هذين البلدين.
آفاق مظلمة للإمبريالية
الأسوأ سيأتي بعد بالنسبة لمطالب الإمبريالية في الشرق الأوسط. يستنتج الإعلام السائد بكل اكتئاب أنه، على الرغم من أربعة أعوام من التدمير بالوكالة، الممول من قطر والعربية السعودية والإمارات العربية وغيرها عبر تركيا، الرئيس الأسد هنا ليبقى، شاؤوا ذلك أم أبوا (وهم قطعاً يأبون).
هذا ما قالته (رويترز) وهي تصر بأسنانها: (يبدو أن الأسد سيتجاوز على الأرجح الأزمة في سورية أكثر من أي وقت سابق منذ بدأت قبل أربعة أعوام. دعم إيران متين أكثر من أي وقت مضى لحليفتها في دمشق..).
(وفي غضون ذلك، باشر الأسد، الذي يبدو واثقاً من نفسه، حملة دبلوماسية عامة وأعطى خمس مقابلات منذ كانون الأول. كانت ثلاث منها مع منظمات مركزها في دول غربية هي الأكثر معارضة لحكومة دمشق: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا (10 آذار 2015).
وفي الوقت الذي تستأصل فيه سورية عسكرياً الأوكار الإرهابية الباقية، تنشط أيضاً في الميدان الدبلوماسي. عندما سأل مندوب (فورين أفيرز) الأسد: هل يوافق على هدنة مؤقتة وتجميد القتال في حلب، المقترح من قبل مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا؟ أجاب الرئيس بهدوء:
(نعم.. لأننا كنا قد نفذنا ذلك قبل تكليف دي ميستورا كمبعوث دولي إلى سورية. كان ذلك في مدينة حمص، وهي مدينة كبيرة أخرى، كما نفذنا ذلك على نطاق أضيق في ضواحي وقرى أخرى وقد نجح ذلك، إذاً.. الفكرة جيدة جداً).
لا تستطيع الإمبريالية أن تنتصر في سورية، ولكنها تطيل كرب الحرب الإجرامية كي لا تسلم بحقيقة غير مقبولة. ولهذا الغرض تتأكد من الحفاظ على خطوط إمداد الإرهاب من دول الخليج الرجعية عبر تركيا بحالة جيدة، كما أيدت القصف الجوي الإسرائيلي المتفرق في العامين الماضيين، وأخذت على عاتقها الآن مهمة تدريب وتجهيز مجندي الإرهاب.
ولكن عند كل خطوة دموية، تزيد الإمبريالية من تعميق الحفرة وتخلق المزيد من الأعداء لها:
لخص الرئيس الأسد على نحو رائع مأزق الولايات المتحدة: (أنتم أكبر قوة في العالم اليوم.. لديكم الكثير من الأشياء التي يمكن أن تنشروها حول العالم، المعرفة والابتكار وتكنولوجيا المعلومات بآثارها الإيجابية. كيف يمكن أن تكونوا الأفضل في تلك المجالات، والأسوأ في المجال السياسي؟ ثمة تناقض هنا..
وهذا ما أعتقد أن على الشعب الأمريكي تحليله ومعرفة أسبابه. لماذا تفشلون في كل حرب؟! يمكنكم أن تبدؤوا حرباً وأن تخلقوا مشكلات.. لكنكم لا تستطيعون حل أي مشكلة.. إن شن الحروب لا يجعل منكم قوة عظمى).
ترجمة ميشيل منير
عن مجلة (بروليتاريان) البريطانية