المؤامرة السعودية ــ الأمريكية في انهيار أسعار النفط العالمية
منذ منتصف حزيران الماضي شهدت أسعار النفط هبوطاً مستمراً. الهبوط كانَ هذه المرة شديداً بحيث انخفضَ سعر البرميل الواحد من أكثر من 100 دولار إلى ما دون 60 دولاراً. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية (A.I.E) فإن تدهور الأسعار في سوق الذهب الأسود قد يستمر خلال النصف الأول من عام 2015 وبشكل أكثر سرعة واتساعاً!!. وكالة الطاقة الدولية، وهي صوت الدول الغربية وإرادتها في سوق النفط العالمي، كانت قد أعلنت في تقريرها الشهري الخاص بكانون الثاني لعام 2014 أن الاستهلاك العالمي للنفط قد بلغ رقماً قياسياً عالمياً هو 5,92 مليون برميل باليوم مقابل 1,92 مليون برميل في كانون الأول 2013. مما دفعها بقَلَق إلى مراجعة تقديراتها بخصوص استهلاك النفط العالمي للمرة الرابعة، وذلك كي تصل إلى آلية مناسبة تتناسب مع كيفية التعامل مع الارتفاع السريع في الطلب على النفط الخام.
ترى منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) أن الجميع متفقون في القول أن السعر المتوازن للبرميل الواحد هو 100 دولار، وهو سعر مناسب للجميع منتجين ومستهلكين، لكن تنامي الاحتياجات للطاقة في كلّ من الصين والهند اللتين تضمان 2.5 مليار نسمة يبدو أنه زاد من الطلب على النفط. واستهلاك النفط في العالم لم يعد يعتمد بالدرجة الأولى على المناطق الأكثر تطوراً اقتصادياً، بل صار موجوداً في كل البلاد الأخرى، فسابقاً كان استهلاك الفرد الأمريكي يُقدّر بـ 25 برميلاً سنوياً والألماني 10.6 برميل والصيني بـ2.0 والهندي بـ 0.9 من البرميل.
وفي عام 2013 انخفضَ استهلاك النفط في دول منظمة التعاون والتنمية بنسبة 0.4% وفي عام 2014 ازداد 1.9%، وعموماً، إن نمو الطلب على النفط بشكل كبير إضافة إلى وجود مشاكل تقنية جيوسياسية في البلدان المنتجة يساهم بخلق حالة عدم ثقة في القدرة على ضبط أسعار النفط، فوكالة الطاقة الدولية لديها شكوك حول قدرة ليبيا على الحفاظ على السيطرة على محطات تصدير النفط، وفي العراق ثاني أكبر منتج في الدول المنتجة للنفط الوضع في تدهور مستمر.
وفيما تشتد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط الأغنى في العالم بالبترول فإن أسعار النفط بدأت بالتدهور تدهوراً غير منطقي، وبخاصة مع ازدياد التوترات الناجمة عن توسع داعش في العراق وسورية، وإذا أضفنا إلى ذلك الأفق المحدود لدى المملكة العربية السعودية، الحارس على أسعار النفط في قلب منظمة الدول المنتجة للنفط، والتي تعتبر على حد سواء صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، إضافة إلى أنها صاحبة أكبر إنتاج في العالم، كذلك تكاليف الاستخراج التي تصل إلى من 5-10 دولارات أمريكي للبرميل الواحد، فلماذا لا تمنع المملكة العربية السعودية انهيار أسعار النفط التي بلغت أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات؟!
المملكة العربية السعودية إذاً وبدلاً من ذلك تكسر أسعار النفط، ولم تكتفِ بترك أسعار النفط تهوي، بل عملت على رفع زيادة عرضها في أسواق النفط المشبعة من جهة وكسر الأسعار من جهة ثانية، وكان أول انحطاط للسعر قد سجل في أيلول الماضي، ثم في تشرين الثاني. لقد أغرقت المملكة العربية السعودية الأسواق العالمية ببترول رخيص مما أعطى هذا التدهور دفعة قوية وراحت تصم آذانها أمام نداءات الدول الأعضاء في منظمة أوبك الداعية لوقف تدهور الأسعار، وأهم هذه الضغوط تعهدت الرياض بخطوات جديدة لرفع الأسعار، لكنها زادت إنتاجها.
هذا القرار (الصحيح) -على حد تعبير وزير النفط السعودي علي النعيمي- أدى إلى هبوط حاد إضافي في أسعار النفط في أقل من شهر، ولم يخفِ النعيمي انزعاجه من الدعوات للحد من ضخ النفط. وباختصار فإن العائلة المالكة السعودية تشارك فعلياً في سباق مجنون، بحيث بات الجميع يتساءلون حول المصلحة الحقيقية الخفية للملكة العربية السعودية لإبقاء أسعار النفط منخفضة، وبالطبع لا يمكن ذكر تلك المصالح لأنها تخدم أجندة جيوسياسية أمريكية، ومما يعزز هذا الاحتمال ما تسبب فيه حرب أسعار النفط عام 1986 من قبل وزير النفط السعودي في ذلك الوقت زكي اليماني بالتواطؤ مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بهدف تدمير الاقتصاد السوفييتي آنذاك، فأوحى إلى وزراء النفط في السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بزيادة الإنتاج بشكل لم يسبق له مثيل، وقد أدى ذلك آنذاك إلى انهيار فوري في أسعار النفط، بحيث بلغ سعر البرميل 13.53 دولاراً أمريكياً.
بقلم: ميراي دو لا مار / عن: Le Grand Soir
(الثورة)