مشروع التقرير الاقتصادي والاجتماعي للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد

أقر المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، في اجتماعه بتاريخ 13 حزيران 2015 مشروع التقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي سيقدم إلى المؤتمر الثاني عشر للحزب،كما أقرّ طرحه للنقاش العام، عبر صحيفة (النور).

و(النور) ترحب بتلقي الملاحظات والاقتراحات حول هذا المشروع من الرفاق والأصدقاء والخبراء المختصين.

مقدمة

يتناول هذا التقرير بشكل موجز ومكثف الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سورية قبل الأزمة، وآثارها ومنعكساتها على هذه الأوضاع، والدروس المستفادة منها من أجل تنفيذ السياسات، والإجراءات اللازمة لمعالجة آثار هذه الأزمة ونتائجها، بشكل يلبي طموحات المواطن السوري بإقامة نظام وطني ديمقراطي تعددي. وسيجري إغناء هذا التقرير وتطويره بشكل مستمر في ضوء المستجدات السياسية والاقتصادية إلى حين انعقاد المؤتمر الثاني عشر. كما يكمّل هذا التقرير ويتكامل مع التحليل والرؤية السياسية لأسباب هذه الأزمة ونتائجها وسبل الخروج منها، التي يتناولها بشكل مفصل التقرير السياسي الذي سيقدم للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد.

أولاً- الوضع الاقتصادي والاجتماعي قبل الأزمة

دخلت الأزمة السورية عامها الخامس دون التوصل إلى حل سياسي أو حسم عسكري ينهيها، وترافق ذلك مع تصاعد جرائم الجماعات التكفيرية الإرهابية واتساع مناطق سيطرتها، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم تعهده سورية من قبل، سواء بمستوى التدمير للمرافق والبنى التحتية والمنشآت الصناعية والخدمية والسكنية، أو بعدد الضحايا والجرحى والمعوقين، أو بعدد المهجّرين والنازحين داخلياً وخارحياً، أو بارتفاع مستوى الفقر والبطالة والمرض وتراجع التعليم، وما نجم عن كل هذه الأمور من ظواهر اجتماعية سلبية غريبة عن المجتمع السوري الآمن والمنفتح والمتسامح (من قتل وخطف وسرقة واغتصاب)، إضافة إلى جعل التنوع الديني والعرقي والمذهبي، الذي كان يميز سورية ومثار فخرها واعتزازها، أداة وواجهة لإخفاء حقيقة الصراع الدائر عليها دولة وشعباً وموقفاً وحضارة.

إن المتابعة الموضوعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات العشر التي سبقت نشوب الأزمة، تبين بشكل لا لبس فيه أن الآثار والنتائج التي نجمت عن سياسات الانفتاح غير المدروس ساهمت في زرع بذور الأزمة، ووضعت بين أيدي الذين يستهدفون بلدنا مدخلاً مناسباً لمحاربته وحصاره. فمعدلات النمو التي كان يتباهى بها المسؤولون تركزت في القطاعات الخدمية غير الإنتاجية، وثمار هذا النمو لم توزّع توزيعاً عادلاً، فقد كانت ثمارها من نصيب حفنة قليلة من المتنفذين وشركائهم، وبالتالي لم تنعكس إيجاباً على مستوى الدخل الحقيقي للأفراد ولا على مستوى معيشتهم، كما أنها لم تصل إلى المدن والمناطق البعيدة والمهمشة، على الرغم من كونها مصدر دخل البلاد الأساسي من المنتجات الزراعية والنفطية ومستلزمات الإنتاج الصناعية.

لقد تحقّق معظم ذلك النمو في القطاعات الخدمية المالية والعقارية وغيرها على حساب نمو القطاعات الإنتاجية المادية المتمثلة بالزراعة والصناعة، وترافق ذلك في الوقت ذاته بانسحاب واضح ومكشوف للدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال عدم إصلاح القطاع العام، وفتح المجال للقطاع الخاص بإقامة المشاريع المنافسة له، وانحسار دورها في التجارتين الداخلية والخارجية، وفي الخدمات الصحية والتعليمية والنقل والمصارف، وكذلك التراجع التدريجي عن الدعم تحت مختلف الذرائع والحجج، إضافة إلى فتح الأسواق أمام المنتجات الأجنبية، والتسرع في توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع تركيا وتنفيذها، واتباع نهج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبناه المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، وتطبيق الشق الأول من هذا الشعار فقط المتمثل باقتصاد السوق، وإهمال الشق الثاني (الاجتماعي) منه، فأدت كل هذه الأمور مجتمعة إلى زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في الفترة التي سبقت نشوب الأزمة.

كما أدت تلك السياسات إلى بروز شراكة وتحالف قوي بين مجموعات من الرأسماليين مع رموز متنفذة في السلطة هنا وهناك (تحالف البرجوازية والبيروقراطية) وانتشارها واحتكارها وسيطرتها على عدد غير قليل من الأنشطة والفعاليات الاقتصادية والخدمية، واستطاعت توجيه القوانين والأنظمة لمصلحتها عند الحاجة، وفي غير ذلك كانت تنفذ ما تريد دون أية موانع، حتى أصبح الفساد ظاهرة تجد من يبررها في كل مكان وعلى مختلف المستويات. وعندما استفحلت هذه الظاهرة كانت معالجتها الشكلية والجزئية تتم ضمن المستويات الدنيا، وظلت الرموز الكبيرة تسرح وتمرح وتراكم الثروات والنفوذ على حساب الغالبية الساحقة من المواطنين، فسحقت الطبقة الوسطى، وأجّج ازديادُ الفقر والبطالة وعدم عدالة توزيع الدخل الوطني الصراع الطبقي في المجتمع السوري، وأصبح السكوت والتساهل تجاه الفئات الاقتصادية والسياسية المتنفذة مصدر استياء قطاعات واسعة من الشعب وعمق شعورها بالإقصاء والتهميش.

منذ بدء التحول إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي والتراجع التدريحي في دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأ عام 2000 والذي تجلى بشكل صارخ منذ عام 2005 نبّه الحزب الشيوعي السوري الموحد مراراً وتكراراً من خلال مواقفه في مختلف المواقع والمناسبات، إلى ضرورة تطوير الجانب الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد بما يتناسب مع الموقف السياسي الوطني المتقدم، حتى لا يكون هذا الجانب الخاصرة الضعيفة التي يمكن النفاذ منها للنيل من موقف سورية الوطني والسياسي. إلا أن السلطات المعنية لم تعر هذه المسألة الهامة والدقيقة الاهتمام المطلوب، واستمرت في متابعة سياسة الانفتاح الاقتصادي وتهميش الجانب الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية العادلة والمتوازنة دون مراعاة النتائج الكارثية التي بدأت تظهر بسببها، إلى أن برزت الأزمة وثبت بالفعل ماكان الحزب يحذّر منه، فقد كان تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتهميش الغالبية العظمى من المناطق والسكان وضيق الهامش الديمقراطي للمواطنين في حرية التعبير ورسم السياسات وإدارة البلاد من أسباب نشوب الأزمة، كما ساعدت بعض المواقف والإجراءات غير المسؤولة المتعلقة بمعالجة الأزمة في بداياتها، إلى استمرارها وتوسّعها إلى ما هي عليه اليوم، وزاد من صعوبة الوضع وفداحة ثمن هذا الصراع اتساعُ دور المنظمات الإرهابية التكفيرية التي استطاعت السيطرة على أجزاء هامة من البلاد، ومارست فيها أبشع أساليب القتل والتهجير المذهبي والديني والعرقي، وتدمير الثروات والموارد والمحاصيل الرئيسية وسرقتها، إضافة إلى سرقة المعالم الحضارية والأثرية وتدميرها في تلك المناطق.

ثانياً- الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة

أدت الأزمة التي لم يشهد العالم مثيلاً لها في هذا القرن إلى تأزّم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تأزماً غير مسبوق، ويمكن تلخيص ذلك بما يلي:

1- فرض الحصار والمقاطعة من قبل العديد من الدول العربية والأجنبية في المجالات الاقتصادية والسياسية، كالاستيراد والتصدير وتجميد الأرصدة، وما نجم عن ذلك من زيادة صعوبات تمويل البضائع ونقلها من وإلى سورية وارتفاع تكاليفها، وبالتالي شحّها وارتفاع أسعارها. وعلى الرغم من أن قسماً من هذه الإجراءات قد شمل ظاهرياً عدداً من المسؤولين وبعض رجال الأعمال المتنفذين وعدداً من المؤسسات الحكومية، إلا أن الذي دفع ثمنها كاملاً في الواقع هو الشعب السوري من حياة أبنائه وقوتهم ودوائهم واستقرارهم.

2- تراجع كبير في الموارد العامة، سواء من عائدات النفط والصادرات أو من السياحة والضرائب والرسوم والاضطرار لاستيراد النفط والمشتقات النفطية والمواد الغذائية الرئيسية من أجل تلبية الحاجة المحلية الضرورية من هذه المواد، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عجز الموازنة العامة للدولة.

3- تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي، سواء بسبب عدم تمكن المنتجين من الوصول إلى أراضيهم ومعاملهم للعمل فيها، أو في الصعوبات والعراقيل بحال نقل مستلزمات الإنتاج والإنتاج الجاهز إلى مراكز الإنتاج والبيع والاستهلاك، أو بسبب التخريب والسرقة للمنشآت الزراعية والصناعية العامة والخاصة وتهريبها وبيعها في الخارج أو هجرة أصحابها خارج البلاد.

4- تدمير وتخريب حجم هائل من البنى التحتية والمرافق العامة من شبكات الكهرباء والماء والطرق والسكك الحديدية، ما أدى إلى تراجع كبير في الخدمات العامة كمّاً ونوعاً، بسبب عدم توفير الحماية اللازمة، وخاصة للأساسية والاستراتيجية منها، مع صعوبة تأمين البدائل عنها ومستلزمات إصلاحها وارتفاع تكاليفها بسبب الحصار والمقاطعة.

5- ارتفاع عدد الشهداء والضحايا إلى أكثر من 200 ألف شخص، وعدد الجرحى والمعوقين إلى قرابة 900 ألف، وارتفاع إجمالي عدد المهجّرين والنازحين في الداخل والخارج إلى أكثر من نصف عدد سكان سورية، مع مارافق ذلك من ازدياد البطالة، إذ يشير بعض التقارير إلى ارتفاع معدلات الفقر الشديد إلى نحو 64.7% أي أن نحو ثلثي السكان لايستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، في الوقت الذي بات فيه نحو 30% من السكان يعيشون في حالة الفقر المدقع، ذلك أنهم لايستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية..

6- استنزاف جزء هام من احتياطي القطع الأجنبي لسد احتياجات البلاد من الواردات، وحصول تدهور كبير في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الذي وصل حتى الآن إلى نحو ستة أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، وما تزل الليرة السورية جبهة رئيسية في الصراع الدائر حتى الآن. في الواقع لا يمكن إرجاع سبب انخفاض الليرة السورية بشكل كلي إلى العوامل الخارجية فقط، بل هناك عدة عوامل داخلية ونفسية أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في انخفاضها، منها الأوضاع الأمنية والعسكرية وتهريب القطع الأجنبي (كمية الأموال السورية التي دخلت إلى لبنان حسب الأسكوا بلغت نحو 11 مليار دولار، وهناك مصادر أخرى تقدرها ما بين 15و18 مليار دولار)، وتحويل المهاجرين قيمة ممتلكاتهم التي قاموا ببيعها بالقطع الأجنبي إلى الدول التي لجؤوا إليها، وحالة تحوّط المواطنين ورغبتهم في الحفاظ على القيمة الحقيقية لمدخراتهم، كما أن استهلاك الاحتياطي من القطع الأجنبي في ظل توقّف الإنتاج المادي الحقيقي في البلاد أو تراجعه، كان له دوره أيضاً في هذا المجال. ولابد عند الحديث عن ارتفاع قيمة الدولار من التعرض للسياسة التي اتبعتها الحكومة منذ بداية الأزمة، والتي اتسمت بالارتجال وردود الفعل والتهاون مع مراكز الفساد والاستغلال التي مثلتها شركات الصرافة، والتي لعبت دوراً كبيراً في المضاربة على الليرة السورية وجني الأرباح الهائلة من خلال التلاعب بسعر الدولار وشرائه وبيعه. ولاشك في أنه لو اتخذت منذ البداية إجراءات عملية وصارمة، ولو جرى الاعتماد على المصارف العامة والخاصة في عمليات التحويل والبيع والشراء للقطع الأجنبي، التي كنا وغيرنا من القوى الوطنية نطالب بها، لما جرى استنزاف الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي بالشكل الذي جرى، ولما وصلت قيمة الليرة السورية إلى ما وصلت إليه. كما أنه لابد من الإشارة إلى عوامل أخرى ساهمت، إلى هذا الحد أو ذاك، في عدم تردي قيمة الليرة السورية بشكل أكبر، وهي الخطوط الائتمانية مع إيران ومساعدات الأصدقاء، والتحويلات الخارجية الأخرى بالقطع الأجنبي للداخل السوري.

7- تراجع هائل في مستوى معيشة المواطنين بسبب البطالة وانخفاض القدرة الشرائية للرواتب والأجور، وارتفاع الأسعار من 3 إلى 6 أضعاف، نتيجة تراجع الإنتاج وقلة توفر المواد الأساسية وانخفاض قيمة الليرة السورية وجشع المستغلين وضعف الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا المجال وتأخرها، سواء في التدخل الفاعل لمؤسسات التجارة الداخلية والخارجية أو في قمع المستغلين والمحتكرين.

8- هجرة أعداد كبيرة وواسعة من المستثمرين والرساميل والكفاءات العلمية والمهنية، إضافة إلى الشباب، وتوزّع وتشتت العديد من أفراد الأسر السورية في مختلف بقاع الأرض.

9- بروز ظواهر وأمراض اجتماعية غريبة عن ثقافة المجتمع السوري المنفتح والمتسامح، مثل انتشار الفكر التكفيري الإرهابي وإثارة النعرات الطائفية والقومية وغير ذلك من المظاهر المؤسفة، مثل الاختطاف والقتل والسرقة والتزوير والدعارة والمخدرات، وغير ذلك من الأمور التي تتناولها يومياً وسائل الإعلام عن أوضاع النازحين والمهجّرين في الداخل والخارج والمتاجرة بها، وقد ساهم ارتفاع نسبة البطالة والجوع والفقر في زيادة هذه الظواهر وانتشارها.

10- حرمان نسبة كبيرة من أطفال سورية من الالتحاق بالمدارس (نحو مليونين)، فقد جرى تدمير نحو 4382 مدرسة، واستخدام نحو 510 مدارس مراكز إيواء للمهجرين، كما انخفضت نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي من 98.4% عام 2011 إلى 70%، يضاف إلى ذلك اضطراب الدراسة في العديد من الجامعات والمدارس العامة والخاصة، ما أدى إلى ضياع فرص التعليم وتشتته واضطرابه بالنسبة للعديد من الأطفال والشباب. كما أنه لابد من الإشارة إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال من أجل تأمين مورد رزق لأسرهم الذين اضطرت أسرهم للنزوح.

11- ازدياد الإنفاق العسكري، نتيجة توسع وانتشار رقعة المعارك والمواجهات العسكرية، وما ينجم عنها من خسائر مادية وبشرية ينبغي تعويضها.

12- تدهور الوضع البيئي في معظم المناطق السورية (التربة والماء والهواء) نتيجة الأعمال العسكرية من ناحية والتعدي على الأشجار وحرقها، وكذلك عدم العناية بها، إضافة إلى اتباع الأساليب البدائية في تكرير النفط في عدد من المحافظات والمناطق الشمالية الشرقية، ولاشك في أن تأثر التربة الزراعية في هذه المناطق التي تشكل مصدراً هاماً للمنتجات الزراعية والحيوانية في سورية سيؤثر على مختلف الجوانب الصحية والغذائية للسوريين حالياً ومستقبلاً.

13- تراجع معدلات تحصين الأطفال ضد الأمراض بواسطة اللقاحات من نحو 100% في جميع المحافظات قبل الأزمة، إلى نسبة تتراوح بين 50 و70% بحسب المحافظات، ووصولها إلى الصفر في بعض المناطق على الرغم من حملات التلقيح العديدة التي تقوم بها وزارة الصحة بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة، فيما تشير بعض التقارير إلى أن معدل وفيات الأمهات وصل إلى 62.7 حالة لكل 100 ألف ولادة عام 2013 نتيجة تضرر البنى التحتية الصحية وعودة أمراض كان السوريون قد نسوها، وتفاقم أمراض كانت معدلات انتشارها منخفضة. إضافة إلى وفاة العديد من الأطفال بسبب اللقاحات الفاسدة التي أعطيت لهم في بعض المناطق التي يسيطر عليها المسلحون.

14- توقف معظم النشاط الاستثماري الخاص، وكذلك العام في المشاريع قيد التنفيذ التي تقل نسبة تنفيذها عن 60% والمشاريع الجديدة وخاصة في المناطق الخطرة.

15- تدمير المعالم الحضارية والأثرية في المناطق التي سيطرت الجماعات التكفيرية عليها، وسرقة الآثار الموجودة في هذه المعالم وتهريبها وبيعها لتمويل أعمال هذه الجماعات الارهابية.

النزوح والهجرة نتيجة الأزمة

أدت الأزمة وما رافقها من مجابهات عسكرية إلى حركة نزوح كبيرة داخلية وخارجية، تقدر بنحو نصف سكان سورية، نتيجة تدمير المنازل أو الخوف من التطهير المذهبي أو العرقي، والهرب من الحصار واستخدام السكان كدروع بشرية، ما نجم عنه خسائر كبيرة لهؤلاء النازحين في أرزاقهم وبيوتهم ومحتوياتها، إضافة إلى الضغوط الكبيرة على القرى والمدن التي لجؤوا إليها وتكدسهم في أماكن مكتظة. كما أدت حالة النزوح الواسعة إلى ضغوط مالية وتنظيمية على الجهات العامة المعنية من أجل تأمين حاجات هؤلاء المهجرين من سكن وغذاء وتعليم وخدمات. كما أدت أيضاً إلى ارتفاع أجور السكن وزيادة الضغط على خدمات النقل والتعليم والصحة، وخاصة ما يتعلق بانتشار الأمراض وعودة عدد منها مما سبق القضاء عليها، مثل السل وشلل الأطفال والليشمانيا الذي يستفحل في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون.

تردي أوضاع العمال والفلاحين

كان ذوو الدخل الثابت، وبشكل خاص العمال، من بين أكثر الفئات الاجتماعية المتضررة، وبشكل خاص عمال القطاع الخاص الذين خسروا عملهم نتيجة تدمير المنشآت الصناعية والخدمية التي يعملون فيها أو بسبب هجرة أصحابها، ومن لم يفقد عمله فقد اضطر إلى القبول بجزء من راتبه لضمان استمراره بالعمل، ومن لم تُتَح له هذه الإمكانية انضم إلى جبش العاطلين المتزايد أو إلى أعداد المهاجرين المتزايدة باستمرار إلى البلدان المجاورة وغيرها بحثاً عن مورد رزق آمن. وتشير التقارير إلى تجاوز البطالة في أدنى التقديرات نسبة 57.7%.

أما عمال القطاع العام، وعلى الرغم من استمرار الدولة بتسديد رواتبهم بشكل مستمر وبضمنهم العاملون في المعامل والجهات العامة التي تضررت وخرجت عن العمل كلياً أو جزئياً، إلا أنهم خسروا حوافزهم الإنتاجية وغيرها من المزايا التي كانوا يحصلون عليها في الظروف العادية، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية لرواتبهم بسبب الغلاء الفاحش المستمر.

كذلك لم يسلم الفلاحون والمزارعون من آثار هذه الأزمة، بدءاً من صعوبة الوصول إلى أراضيهم والعناية بها وارتفاع تكاليف البذار والسماد والأدوية، مروراً بصعوبة جني محاصيلهم ونقلها وتسويقها سواء بسبب الحصار أو / وبسبب ارتفاع تكاليف النقل، وصولاً إلى موت الأشجار وقطعها يابسة أو حية لاستخدامها حطباً. كما عانى مربو المواشي من فقدان قطعانهم كلياً أو جزئياً بسبب المجابهات العسكرية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وصعوبة النقل والتسويق للأسباب المذكورة سابقاً، مع الإشارة إلى انتشار تهريب الأغنام العواس والماعزالشامي إلى الدول الأخرى.

ازدياد مشاكل الشباب ومعاناتهم

كانت معاناة الشباب الاقتصادية والاجتماعية بسبب الأزمة مزدوجة، فإضافة إلى معاناتهم العامة من الأزمة ونتائجها، كانت لهم معاناتهم الخاصة أيضاً، فدعوتهم ورغبتهم السلمية بالإصلاح والتغيير قد سُرقت وحُوّلت إلى صراع مسلّح دامٍ فرض عليهم المزيد من البطالة والفقر، وأجبرهم على النزوح والهجرة الخطرة إلى مختلف أصقاع الأرض، والوقوع في براثن عصابات التهريب الدولية التي استغلت حاجتهم وأدت إلى خسارتهم مواردهم القليلة، بل وحياتهم وحريتهم في كثير من الأحيان. كما أدى ويؤدي اضطراب العملية التربوية والتعليمية في مختلف المراحل الدراسية إلى تدني مستوى التحاق الشباب بالمدارس والجامعات، ويترافق ذلك مع تدني مستوى التحصيل العلمي ونوعيته ما يعني ضعف تأهيلهم وكفاءتهم، وبالتالي محدودية فرصتهم في الحصول على العمل المناسب خارج سورية وداخلها. وتزداد الأمور سوءاً بالنسبة للخريجين الجدد الذين سدّت في وجوههم فرص العمل في القطاع العام والقطاع الخاص، ما يضطرهم أيضاً إلى مغادرة البلاد للجوء والعمل.

الأوضاع المأساوية للمرأة السورية

كما الشباب، كانت المرأة السورية ضحية أساسية من ضحايا الأزمة، فقد نالت النصيب الأكبر من مآسيها.. ففقدت الابن والزوج والأخ والأب، وفقدت معهم العمل وحرية التعبير، وعانت من التهجير المتنوع الأسباب (دينياً وطائفيا وعرقياً)، إضافة إلى الاغتصاب والسبي والعودة إلى التقاليد والممارسات البالية التي كانت سائدة منذ آلاف السنين. كما اضطرت المرأة السورية في ظل غياب المعيل إلى دخول سوق العمل الممكن، ومن ذلك العمل في المنازل لإعالة أفراد أسرتها. كما لم تنجُ المرأة السورية النازحة إلى البلدان المجاورة من كل هذه الأمور، بل واجهت ما هو أسوأ منها، وهو ما يتمثل بزواج الإكراه أو (السترة) الذي هو أشبه بشراء الجواري للمتعة، لرجال من كبار السن الذين استغلوا حالة النزوح والفقر والجوع للزواج من الفتيات السوريات القاصرات دون ضوابط قانونية أو اجتماعية. ويشير أحد التقارير إلى أن المرأة السورية هي الأكثر تضرراً بسبب الأزمة، إما بسبب فقدانها الزوج أو أحد الأبناء، وربما كل الأبناء أو بيتها أو اعتقالها أو غير ذلك من انتهاكات جسيمة وظروف قاسية في المخيمات وخارجها، كزواج القاصرات والزواج القسري والعنف الأسري والاتجار بالبشر والتحرش والعنف الجنسي، فضلاً عن الوفيات، بسبب قلة إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية، إذ تشير التقارير إلى تأثر أربعة ملايين سيدة وفتاة تقريباً بالنزاع في سورية، من بينهن نصف مليون سيدة حامل داخل سورية و70 ألف سيدة حامل خارج سورية، وذلك وفق تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان.. وطبقاً للإحصاءات فإن 60% تقريباً من حالات وفاة الأمهات أثناء الولادة تحدث في سياقات الصراعات والطوارئ.

الأضرار الناجمة عن الأزمة

ما يزال حجم الخسائر المادية والبشرية التي سببتها الأزمة في ازدياد دائم نتيجة استمرار المجابهات العسكرية وتوسّع نطاقها، وعدم القدرة على حصر الخسائر في المناطق المشتعلة وغير الآمنة. ومايزال حجم الأضرار على مستوى الاقتصاد الوطني يتباين من جهة إلى أخرى. ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة أن الخسائر قد تجاوزت 6 تريليونات ليرة سورية، تشير تقديرات الجهات الأخرى إلى أن مجموع الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري حتى نهاية عام 2014 بلغت نحو 202.6 مليار دولار، تعادل 383% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة. وقد بلغت خسائر عدد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية المباشرة وغير المباشرة لغاية عام 2014 حسب التصريحات الحكومية الرسمية نحو 5.2 تريليونات ليرة سورية (26 مليار دولار) في قطاع النفط، ونحو 1720 مليار ليرة سورية في قطاع الكهرباء، ونحو 630 مليار ليرة سورية في الصناعة. وبغض النظر عن مدى دقة الأرقام الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالأزمة، إلا أنها تعطي مؤشراً تقريبياً عن فداحة آثارها الاقتصادية والاجتماعية على حياة السوريين حالياً ومستقبلاً.

أضافت حالة الجفاف التي شهدتها سورية خلال سنوات الأزمة، وسوء المواسم الزراعية، وصعوبة التسويق والنقل للمنتجات الاستراتيجية كالقمح والقطن وغيرها،، إلى مزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما زاد من الاعتماد على الاستيراد لسد النقص الحاصل في النفط والمشتقات النفطية والطحين والسكر وغيره من المواد الغذائية الأساسية الأخرى.كما أدى استمرار المجابهات العسكرية إلى زيادة الإنفاق الحربي وكذلك المدني لمعالجة مشاكل المهجّرين وتوفير المواد الاستهلاكية الضرورية لهم. وجُمّدت الاستثمارات الجديدة في الجهات العامة وجرى توظيف القسم الأعظم من الموازنة للانفاق الجاري لدفع الرواتب ومتمماتها. وفي الوقت الذي فقدت فيه سورية المصدر الرئيسي للقطع الأجنبي الناجم عن تصدير النفط وعدد من المنتجات الصناعية والسياحة وتراجع نسبة التحصيل الضريبي بنحو 65%، وارتفاع عجز الموازنة إلى أكثر من 6 أضعاف ماكان عليه في عام 2010 استمر استنزاف الاحتياطي من القطع الأجنبي، وإن خفف منه إلى هذا الحد أو ذاك المساعدات والخطوط الائتمانية من الأصدقاء، واستخدام جزء من الأموال الحكومية المجمدة في المصارف الخارجية لتمويل استيراد عدد من المواد الغذائية، وكذلك تحويلات السوريين العاملين في الخارج التي تصل إلى نحو 7 ملايين دولار يومياً، إضافة إلى التحويلات الخارجية الأخرى. كما تساهم عودة صادرات بعض المنتجات الصناعية في رفد الموارد العامة من القطع الأجنبي أو / وفي الحد من استيراد المنتجات المشابهة.

ثالثاً- الإجراءات والتدابير الحكومية لمواجهة الأزمة

اتخذت الحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة حتى الآن عدداً من الإجراءات والتدابير للتخفيف من آثار الأزمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث ركزت على توفير النفط ومشتقاته والمواد الغذائية الضرورية كالقمح والطحين والسكر والأرز..كما خفضت الرسوم الجمركية على عدد من المواد الغذائية وعلى المواد المستوردة من إيران، وقامت بتسعير عدد من المواد مركزياً. من جانب آخر وفي إطار العمل على تحريك عجلة الإنتاج، أُعيدت جدولة ديون المقترضين من المصارف العامة ومساهماتهم المتأخرة في التأمينات الاجتماعية، والعمل على توفير مواقع بديلة آمنة للمنشآت الصناعية التي دمّرت ودراسة سبل التعويض عليها.

إلا أن هذه الحكومات لم تستطع، رغم ما بذلته من جهد، مواجهة الأزمة ونتائجها بالشكل المطلوب. ففي الوقت الذي لم تُبْدِ فيه الجهات الحكومية المسؤولة منذ بداية الأزمة الرغبة الحقيقية والمرونة الفعلية المطلوبة لمعالجة الجانب السياسي من الأزمة، من خلال الحوار الوطني الحقيقي والمصالحة الوطنية، وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم يشاركوا في سفك دماء السوريين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، فإنها من جانب آخر لم تبدِ أيضاً كفاءة واضحة في معالجة آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

لاشك في أن البلاد تواجه وضعاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً غير مسبوق، يترافق مع حصار ومقاطعة من أغلب الدول العربية والأجنبية وتجميد الأموال السورية في مصارف هذه البلدان، إضافة إلى تراجع الإيرادات الحكومية ترجعاً كبيراً، سواء من موارد النفط أو من الصادرات الصناعية والزراعية أو من السياحة والضرائب والإيرادات المالية الأخرى، يترافق كل ذلك مع زيادة النفقات العامة الجارية لتغطية العمليات العسكرية وتوفير المواد والخدمات الأساسية ومواجهة أعباء التدمير والتخريب للمرافق العامة واستيعاب المهجرين. وإذا كنا جميعاً نقرّ بهذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي تواجهها البلاد منذ نشوب الأزمة حتى الآن، إلا أننا نرى بالمقابل أن الجهود المبذولة من أجل معالجة هذه الظروف معالجة صحيحة وفعالة لم تكن على المستوى الاستثنائي المطلوب، لأن هذه الإجراءات وغيرها، كما أكدنا سابقاً، جاءت في كثير من الأحيان مجتزأة ومتأخرة وبطيئة التنفيذ وتعتمد سياسة العمل وإطفاء الحرائق يوماً بيوم، دون التطرق إلى سياسات وإجراءات متكاملة تستند إلى رؤية واقعية ومستقبلية لاحتمالات تطور الأحداث واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمنعها أو الحد من تأثيرها عند حدوثها. وهذا يعود بشكل رئيسي إلى ضعف الخبرات العملية لغالبية المسؤولين المكلفين بهذه الأمور، وعدم تشكيل فريق أزمة منذ البداية على المستوى المطلوب من الخبرة والكفاءة والنزاهة ومنحه الصلاحية اللازمة لتنفيذ ما يجب تنفيذه. وأكبر دليل على ذلك معالجة مواضيع الغلاء والاحتكار وتمويل الصادرات وأسعار القطع الأجنبي ومعدلات الفائدة وإصدار موازنات شكلية بأرقام كبيرة لم يبرز فيها إجراءات واضحة للتعامل مع الأزمة، ووقف العديد من المشاريع الاستثمارية في الجهات الحكومية والقطاع العام، وانفلات الأسعار الجنوني والأزمات المتجددة والمتنقلة من سلعة إلى سلعة. إضافة إلى زيادة نسبة البطالة والفقر بكل أشكالها وفوق ذلك عدم التعامل بشفافية ووضوح في العديد من الإجراءات والتدابير والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار تجار الحروب والأزمات واتساع نفوذهم وتأثيرهم. كما أن الاستقراء الخاطئ بقدرة الحل العسكري في التغلب السريع على الأزمة ساهم في إهمال وتأجيل العديد من الإجراءات اللازمة، ما أدى إلى زيادة الآثار السلبية للإجراءات الحكومية المتخذة.

متابعة النهج الليبرالي

تحت شعار (إيصال الدعم لمستحقيه) و(تراجع موارد الدولة)، رُفعت بقرارات حكومية أسعار العديد من السلع والخدمات المدعومة بدءاً من الخبز مروراً بالمازوت والبنزين والغاز والكهرباء والهاتف والماء وصولاً إلى التعليم والخدمات والرسوم الأخرى. ولم تميز عملية رفع أسعار هذه السلع والخدمات بين مستحق من العمال والفلاحين وصغار الكسبة والموظفين، وغير مستحق للدعم من ذوي الدخل غير المحدود الذين يستطيعون أن يعكسوا كل هذا الغلاء على أسعار بضائعهم وخدماتهم، بل طبقت على الجميع. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار ما بين ثلاثة إلى ستة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة، فإن رواتب العاملين لم تزدد بأكثر من 25% خلال السنوات الأربع من عمر الأزمة إضافة إلى تعويض غلاء المعيشة الأخير، وأمام ارتفاع نسبة البطالة والفقر يطرح السؤال: من أين يستطيع المواطن العادي تأمين احتياجاته الضرورية؟ لقد عانت الفئات المتوسطة والفقيرة وفي مقدمتها العمال والفلاحون من آثار كارثية على حياتهم ودخولهم، بسبب الغلاء والجشع وتراجع القدرة الشرائية لدخولهم التي بات الجميع يدرك أنها لاتلبي بالمتوسط 20% من الحد الأدنى لاحتياجات أسرة عادية.

ومن المؤسف أن الأمور لا تقف عند هذا الحد وحسب، بل تتعداها لتصل إلى متابعة النهج الاقتصادي المنفتح وغير المدروس الذي ساد قبل الأزمة وكان واحداً من أسبابها، والذي ما يزال حاضراً حتى الآن في ذهن الجهات الحكومية المعنية وفعلها، على الرغم من الإعلان اللفظي هنا وهناك (دون عمل فعلي وجاد) عن أهمية القطاع العام ودوره الهام في تماسك مؤسسات الدولة وتلبية حاجة المواطنين، ولكن هذه المرة بحجة جديدة هي نقص الموارد الحكومية والعجز الكبير في ميزانيتها الذي بلغ ستة أضعاف ما كان عليه قبل الأزمة. فقد شهدت فترة الأزمة وما تزال جولات نوعية في الانفتاح غير المدروس على القطاع الخاص، ومن ذلك إقرار قانون التشاركية الذي تحفّظ عليه حزبنا، وتلزيم تطوير معمل أسمنت عدرا لمستثمر واحد وبشكل مباشر (مع المستثمر الذي توقف عن تطوير معمل أسمنت طرطوس وتم إرضاؤه لمتابعة عمله) حتى دون استدراج عروض يمكن أن تُحسّن من شروط هذا الاتفاق أو التعاقد، كذلك تمت معالجة خردة الحديد بالأسلوب ذاته، والحبل على الجرار… بدءاً من إعادة إعمار منطقة جنوب الرازي بدمشق، وصولاً إلى غيرها من الأحياء (ذات الأولوية) في حمص أو حلب أو غيرهما من المدن المنكوبة، وصولاً إلى تأمين واستيراد المواد الغذائية الأساسية ونقل القطن والحبوب وغيرها… إن اتباع مثل هذا النهج يثير مخاوف جدية حول التعامل مع القضايا الاقتصادية والخدمية في هذه الفترة، وفي مرحلة إعادة الإعمار التي يُخشى أن تجري على غرار التجربة اللبنانية في هذا المجال الأمر الذي يهيىء البيئة المناسبة لفساد هائل قادم لا يشكل الفساد الحالي سوى جزء يسير منه، فالكعكة هنا أكبر بكثير والقوى والشخصيات الطامحة ذات الأفواه والبطون الكبيرة أصبحت المزايا والمكاسب السابقة لاتمثل شيئاً يذكر بالنسبة لها، والأخطر من كل ذلك أن اتباع هذا الأسلوب غير الشفاف في معالجة القضايا واتخاذ القرارات لصالح شخصيات محددة مسبقاً يشير بوضوح إلى عدم استيعاب الدروس المستخلصة من الأزمة وعدم الاستفادة منها بالشكل المطلوب، ما يجعلنا نحذر مجدداً من أن اتباع مثل هذه الإجراءات والسياسات من شأنه أن يزرع بذور أزمة جديدة، وهو ما يجب الانتباه إليه منذ الآن وتجنّب الوقوع في مستنقعه.

إن طول فترة الأزمة وآثارها الكارثية لم تنجُ منها أية أسرة سورية، سواء بفقدان أحد أفرادها أو تشردها ونزوحها وخسارة مأواها ومصدر رزقها، أو تشتت أفرادها في مختلف أصقاع الأرض. ورغم ذلك فقد أدت هذه الأزمة أيضاً إلى بروز إرادة قوية لدى قسم هام من السوريين في التمسك بالوطن والأرض والتكافل الاجتماعي والعمل على التكيف مع ظروف الأزمة قدر المستطاع، سواء في المجال الزراعي أو الصناعي الصغير والحرفي. فقد جرى تجزئة المعامل ومعاودة الإنتاج ولو بطاقات بسيطة من خلال البيوت والمخازن داخل الأحياء والمناطق الآمنة لسد حاجة المواطنين من هذه المنتجات، وبما يساعد على دوران عجلة الإنتاج وتحريك السوق وتلبية جزء من الطلب الداخلي شيئاً فشيئاً. إلا أن عملية زراعة الأراضي وجني المنتجات من الفواكه والخضار وغيرها ونقلها، وكذلك نقل الإنتاج الصناعي ومستلزماته وتصديره ما تزال تصطدم بإجراءات وتدابير تعيق هذا التوجه وترفع من تكاليفه، بسبب النفقات والأتاوات التي يضطر الفلاحون والمنتجون إلى دفعها من أجل الوصول إلى مواقع إنتاجهم ونقله، وقد باتت معروفة ممارسات عدد من الحواجز الأمنية في مناطق عديدة في المدن والأرياف في مختلف أرجاء سورية في هذا المجال، ودورها الكبير في رفع كلفة هذه المنتجات وأسعارها. كما أن التأخر والتعقيد غير المبرر في صرف جزء معقول من التعويضات للصناعيين المتضررين لإعادة تشغيل معاملهم وتخفيف حدة البطالة وتوفير المنتجات الصناعية الوطنية في الأسواق- يزيد من الآثار والنتائج السلبية لهذه الأزمة، ويؤثر على سرعة وحسن الخروج منها.

مرحلة إعادة البناء والإعمار

كما في كل حرب أو أزمة هناك مهمة تمثّل أمام كل الفرقاء المعنيين بهذه الحرب أو الأزمة تتعلق بإعادة إعمار وتأهيل ما سببته هذه الأزمة، وقد أخذت المنظمات الإقليمية والدولية وكذلك عدد من الدول والشركات ورجال الأعمال تبدي اهتمامها بهذا الموضوع، كفرصة عمل وربح ونفوذ محلي وإقليمي ودولي. وباتت القناعة راسخة لدى الجميع بأن هذه الفرصة تكبر وتتسع مع اتساع عمر الأزمة وانتشارها وارتفاع مستوى التدمير الناجم عنها أو الذي يرافقها. وتتعارض المصالح والنوايا في هذا المجال بين الأطراف المحلية أو الإقليمية أو الدولية التي يمكن أن يكون التوافق حولها أحد مكونات الحل السياسي للأزمة السورية. فهناك أطراف محلية وإقليمية ودولية مؤيدة ترى أن من حقها أن تنال حصة من هذه الكعكة تتناسب مع ما قدمته، وهناك بعض التصريحات الرسمية وشبه الرسمية تؤكد هذا النهج. وهناك أطراف أخرى قد تشترط لموافقتها على تسوية الأزمة الحصول على جوائز ترضية في هذا المجال أو ذاك، الأمر الذي يحوّل مرحلة إعادة الإعمار إلى حرب خفية بين الأطراف المهتمة بهذا الموضوع، خاصة تلك التي كان وما يزال لها دور مؤثر على الجانب العسكري والأمني.

لا شك في أن شكل وأسلوب مرحلة إعادة البناء والإعمار يتوقف على شكل وأسلوب حل الأزمة في سورية. كما أن كلفة هذه المرحلة تفوق بكثير قدرة سورية وإمكاناتها الذاتية على تغطيتها، فالبلد الذي تراجع عشرات السنين لايحتاج فقط إلى العودة إلى ما كان عليه قبل الأزمة فقط، بل استدراك ما فاته أيضاً من تقدم وتطور بسبب هذه الأزمة، وبالتالي فهو يحتاج إلى مبالغ هائلة للقيام بهذه المهمة. لذلك فإن تمويل عملية إعادة البناء والإعمار لابد من دراسته ومناقشته بالجدية والواقعية المطلوبة، وتوفيق المصالح بما يخدم المصلحة الوطنية المتمثلة بالتعافي المبكر للاقتصاد السوري، ولمصلحة غالبية أبناء سورية.

إن توفير التمويل اللازم والضروري لهذه العملية يتطلب المسح الدقيق للواقع ووضع التصورات الأولية لما يجب أن يكون، ومن ثم تحديد الأولويات. وبقدر ما تكون هذه الإجراءات دقيقة وصحيحة بقدر ما يمكن النجاح في التفاوض مع الجهات الممولة أو المنفذة، مهما كان وضعها، على شروط تنفيذ هذه العملية. ومن الضروري والهام في هذا المجال عدم إغفال دور شركات الإنشاءات العامة وكذلك القطاع الخاص المحلي والمغترب، وكذلك الأصدقاء في هذه المرحلة. وفي جميع الأحوال فإن مرحلة إعادة البناء والإعمار تحتاج إلى المزيد من البحث والمتابعة بشكل مستمر وحسب المستجدات العسكرية والسياسية.

موقف الحزب

كان موقف الحزب الشيوعي السوري الموحد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها الأزمة يتكامل مع موقفه السياسي. فقد عمل على متابعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحليلها وتقديم المقترحات التي يراها مناسبة في هذا المجال من خلال ممثليه في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية ومجلس الشعب ومجلس الوزراء، ومن خلال أنشطته واتصالاته مع مختلف القوى الوطنية بما فيها المعارضة الوطنية الداخلية والأحزاب الجديدة، وكذلك من خلال البيانات والبلاغات التي صدرت عن اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب والتقارير والدراسات والمقالات الاقتصادية والاجتماعية التي نشرها مباشرة أو على صفحات جريدة (النور).

لقد نبه الحزب منذ بداية الأزمة إلى أهمية اتخاذ سياسات اقتصادية واجتماعية تعزز صمود سورية في مواجهة احتمالات العدوان الخارجي، وفيما بعد في مواجهة الغزو التكفيري. كما أكد ضرورة التركيز على عدد من عناصر القوة في الاقتصاد السوري (الصناعة والزراعة) وعلى المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص المنتج، وزيادة الاستثمارات في القطاع العام، والتوجه نحو أسواق الدول الصديقة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف عمليات المضاربة على الليرة السورية، ووقف تمويل المستوردات غير الضرورية، وملاحقة تجار السوق السوداء ومكافحة الفساد والتهرّب الضريبي بصورة جدية وعلنية.

كما كانت هناك محطات عديدة وقف فيها الحزب ضد مجموعة من القرارات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة حتى اليوم، وبشكل خاص ما يتعلق باستمرار النهج الليبرالي وتراجع دور الدولة ورفع الأسعار وقانون التشاركية وموضوع المشغل الثالث للهاتف الخليوي ومشروع قانون الجمعيات الأهلية والتأمينات الاجتماعية وإحداث شركة قابضة لتنمية المناطق التنظيمية في مدينة دمشق وغير ذلك.. إضافة إلى معارضته لعدد غير قليل من مشاريع القوانين الأخرى التي طرحت للنقاش.

إن الحزب الشيوعي السوري الموحد يدرك صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي خلقتها الأزمة كما يدرك حجم التراجع الكبير في موارد الحكومة وضرورة تحمّل أعبائها، لكنه أكد ويؤكد باستمرار أن طريقة معالجة العديد من القرارات الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن وتنفيذه لم تكن عادلة أو مناسبة في التوقيت، وأنه كان بالإمكان أن يتحقق المزيد من موارد الحكومة بأساليب أخرى وليس باتباع الحلول السهلة المتمثلة بالرفع المستمر للأسعار حتى للسلع المدعومة على جميع المواطنين، وكذلك العجز الكبير والواضح عن ضبط الأسواق والأسعار ومكافحة التهريب والفساد والتهرب الضريبي. وبذلك لم تكن مقترحات الحزب المقدمة للجهات المسؤولة حول كل هذه القضايا وغيرها نوعاً من التنظير وتسجيل المواقف، بل تعبيراً عن موقف مسؤول ينتقد الموضوع ويقترح البدائل التي بينت الأيام أنها كانت صحيحة.

رابعاً- المهام والتوجهات المستقبلية.. موقف الحزب

أدت الأزمة إلى تراجع هائل في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سورية، الأمر الذي يشكّل تحديات كبيرة ويتطلب جهوداً استثنائية وموارد مالية هائلة لتعويض الخسائر من ناحية وتدارك ما كان يمكن للاقتصاد السوري تحقيقه من تطور لولا هذه الأزمة من ناحية أخرى. ولا شك في أن ذلك مرهون بنتائج هذه الأزمة وأسلوب حلّها محلياً وإقليمياً ودولياً. وإذا كانت السنوات الأربع من عمر الأزمة قد بينت بشكل واضح صعوبة حلها عسكرياً، فإنها في الوقت ذاته، وضمن الظروف والمعطيات الحالية محلياً وإقليمياً ودولياً، تشير إلى عدم سهولة التوصل إلى حل سياسي سريع ومستقر لهذه الأزمة، خاصة في ظل انتشار الجماعات المسلحة التكفيرية واتساع سيطرتها ونفوذها وحالة الاستقطاب السياسي في المنطقة والعالم حول الوضع في سورية. لكن ذلك يجب ألا يحول دون العمل من أجل تجاوز هذه الأزمة، والانتقال في أقرب وقت ممكن إلى نظام وطني ديمقراطي تعددي سياسياً واقتصادياً يعالج نتائج الأزمة معالجة شاملة وفعالة وفي أقصر وقت ممكن، وهو أمر يتوقف على عدد من الأمور من أهمها:

1- السعي المخلص لإنجاح المساعي الداخلية والخارجية لحل الأزمة السورية بالطرق السياسية، فمن دون الحلول السلمية لن تنفع جميع التدابير والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية في إنهاض قطاعات الإنتاج وإنهاء المعاناة المعيشية والاجتماعية للمواطنين السوريين.

2- سرعة عملية المصالحة والإصلاح وشمولها، والتزام كل الأطراف المعنية بتنفيذها.

3- استخلاص الدروس المستفادة من الأزمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها بالانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي سياسياً واقتصادياً يضمن المشاركة الفعالة والمتساوية لجميع أفراد الشعب وقواه السياسية ومنظماته الأهلية، وتحقيق العدالة في التنمية وشغل المناصب وتوزيع الدخل على مستوى الأفراد والمناطق ومكافحة الفساد.

4- رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية وتحرير الأموال المجمدة في المصارف الخارجية، ودعوة المنظمات والهيئات والتجمعات الإقليمية والدولية لتعويض الخسائر والمساهمة في تمويل مشاريع إعادة البناء..

5- تشكيل فرق عمل قطاعية متخصصة من الجهات الحكومية المختصة وممثلي القطاع الخاص المعنيين والخبراء المختصين، لوضع التصورات والبرامج التفصيلية المادية والزمنية الفورية وقصيرة الأمد لتأهيل وإعادة القطاعات الاقتصادية الأساسية تشغيلها ضمن برنامج وطني شامل ومتكامل ووضع أولويات محددة لتنفيذه.

6- التأكيد على دور الدولة الأساسي في معالجة آثار الأزمة وإعادة البناء والإعمار، واستمرار دورها الإنمائي والرعائي بدعم الفئات الشعبية والمتضررين من الأزمة، وكذلك دورها في القطاعات الاقتصادية الأساسية وتملّكها وإدارتها للمرافق الاستراتيجية وتلك المتصلة بالسيادة والأمن الوطنيين، وأهمها الاتصالات والطاقة والمياه والمطارات والموانئ والثروات الباطنية… وذلك من خلال اعتماد أسلوب عصري لإدارة الجهات العامة المعنية بهذه المجالات وتشغيلها، يضمن نجاحها وجودة أدائها وخدماتها.

7- المعالجة الفعالة لما يمكن من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحالية ونتائجها، من أجل تحريك أكبر قدر ممكن من الأنشطة الإنتاجية واستمراره، وتخفيف حجم العمل المطلوب في مرحلة ما بعد الأزمة وخفض تكاليفه وزمن تنفيذه. على أن تتكامل الإجراءات الفورية المتخذة مع برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد السوري وبرنامج إعادة الإعمار.

8- دعم القطاع الخاص الوطني المنتج بكل أشكاله، وتشجيعه على الاستثمار وبشكل خاص في القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة) التي قد لاتدخلها الاستثمارات الخارجية، وفي المناطق النامية والمتضررة بسبب الحوادث، وتوفير البيئة التمكينية له في هذا المجال وحمايته ودعمه بشكل فعال ومدروس لمواجهة المنافسة غير العادلة التي تواجهه في السوق المحلية والأسواق الخارجية.مع التأكيد على ضرورة تحقيق الشفافية في إصدار القرارات المتعلقة بتحديد دور كل من القطاع العام والخاص ومجالات عمله، بحيث لاتفصّل – كما في كثير من الأحيان- لصالح شخصيات ومراكز نفوذ معروفة ومحددة مسبقاً.

9- إعداد البرامج التدريبية لتأهيل الكوادر البشرية اللازمة لعملية إعادة البناء والبدء بتنفيذها منذ الآن وإعطاء الأولوية في ذلك للمهجرين والنازحين وذوي ضحايا الأزمة.

10- معالجة الآثار البيئية السلبية التي نجمت عن الأزمة سواء المتعلقة بالتربة أو المياه أو المساحات الخضراء واتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بترشيد استخدامات المياه وتطبيق أساليب الري الحديث في الزراعة، والعمل على زيادة مردود وحدة المساحة وبشكل خاص للمنتجات الاستراتيجية كالقمح، إلى مستوى البلدان الأخرى ذات الظروف المشابهة، وإعطاء مهمة تطوير الثروة الحيوانية وخاصة الأغنام الاهتمام اللازم، لأنها ثروة وطنية ومنتج تصديري هام.

11- توجيه عملية إعادة البناء والإعمار لتكون فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري وقطاعاته الأساسية وتطويرها، وتنمية المناطق النامية في المحافظات الشرقية والشمالية.

12- تحسين بيئة الاستثمار وتعديل القوانين المرتبطة بها بما يشجع على جذب الاستثمارات المحلية والخارجية وبشكل خاص في القطاعات الإنتاجية (الصناعة والزراعة والبناء والتشييد) وتحديد المشاريع الأساسية المقترحة وذات الأولوية في المساهمة السريعة والفعالة في مرحلة إعادة البناء والإعمار.

13- تكثيف الجهود لتسريع عمليات استكشاف النفط والغاز واستثمارها في الساحل السوري والمناطق الأخرى بالتوازي مع إعداد مايلزم من إجراءات وتدابير لإعادة تأهيل المنشآت النفطية والغازية الحالية وخطوط النقل، بما يساهم في توفير موارد وطنية إضافية لمواجهة أعباء مرحلة إعادة الإعمار، والحد قدر الإمكان من التمويل الخارجي.

14- التعاون مع الدول الصديقة في مختلف مجالات إعادة البناء والإعمار من خلال الشركات الوطنية العامة والخاصة وعدم إغلاق الباب أمام أية جهود أخرى مقبولة تخدم عملية الإسراع في إعادة تأهيل الاقتصاد الوطني بشكل لا يقوض القرار السيادي، ويضمن عدم التدخل السياسي.

15- اعتماد الشفافية في تنفيذ برامج إعادة التأهيل والبناء، وتجنب خلق بؤر فساد جديدة وأثرياء وفاسدين جدد أو متجددين.

16- إعادة الأمن والأمان للمجتمع السوري وتعويض كل الذين تضررت ممتلكاتهم أو فقدوا أفراداً من أسرهم نتيجة الأزمة. ووضع الإجراءات والتدابير الصارمة اللازمة لمجابهة واستئصال المظاهر والممارسات السلبية والخطيرة التي برزت خلال الأزمة من خطف ونهب وقتل وسرقة واستغلال المواطنين، وإنهاء حالات التوقيف والاعتقال الكيفي، وتطبيق الدستور فيما يتعلق بحريات المواطنين .

17- وضع برامج إعادة تأهيل وتثقيف للمجتمع وخاصة الأطفال والشباب بالتعاون مع الأحزاب والجمعيات الأهلية بهدف إعادة روح التسامح والعيش المشترك، وبث روح الأفكار التنويرية ونبذ التعصب الطائفي والديني والعرقي.

18- إطلاق حملات وطنية داخلية وخارجية لتشجيع الكفاءات العلمية والفنية والاقتصادية على العودة إلى الوطن والمشاركة في إعادة بنائه وتطويره، وتشجيع المهجرين والنازحين في الدول المجاورة على العودة إلى بيوتهم وديارهم.

19- إعداد وتأهيل الإدارات المناسبة التي يفترض أن تختلف كلياً من حيث الكفاءة والصلاحية عن الكثير من الإدارات السابقة والقائمة حالياً، والتي جاءت واستمرت في هذه المناصب بمعايير أبعد ما تكون عن الكفاءة والنزاهة.

20- إقرار برنامج متكامل لإصلاح القطاع العام في أقرب وقت ممكن وضمن فترة زمنية قصيرة يستند إلى ما يلي:

أ- توفير البيئة التشريعية والتنظيمية والإدارية والمالية المناسبة التي تحقق التوازن بين المسؤولية والصلاحية بشكل يمكنه من العمل والتوسع كالقطاع الخاص.

ب – اعتماد أسلوب مناسب لاختيار الإدارات في القطاع العام يعتمد على المسابقة وشرط توفر الكفاءة والنزاهة.

ج – التركيز على التدريب والتأهيل المستمر لكل المستويات الإدارية والإنتاجية والخدمية والمحافظة عليها.

د – اعتماد نظام حوافز عصري وفعال يرتكز على جودة المنتج مادياً كان أو خدمياً وخفض تكاليفه وحسن تسويقه.

هـ – العمل على تأهيل العمالة الفائضة وقيام وزارة المالية بتحمل أجورها وتعويضاتها خلال ذلك، وبالتالي عدم عكسها على تكاليف الإنتاج والوضع المالي لشركات القطاع العام.

و- التحول إلى منتجات وخدمات جديدة ذات جدوى اقتصادية واجتماعية في جهات القطاع العام المتعثرة وتوفير التمويل اللازم لها.

21- إتباع سياسة متوازنة فيما يتعلق بعجز الموازنة والمديونية الداخلية والخارجية وإدارة سعر القطع الأجنبي بما يراعي الحفاظ على الاحتياطي منه قدر الإمكان وتطويره والحيلولة دون ارتفاع نسبة التضخم.

22- العمل على تحسين القدرة الشرائية للرواتب والأجور بما يكفل تحسين المستوى المعيشي للعمال والموظفين والمتقاعدين.

 23- تكثيف الجهود واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستدراك ما فات الأطفال وطلاب المدارس والجامعات من تأخر الالتحاق بالتعليم الأساسي والتحصيل العلمي المناسب في المراحل اللاحقة نتيجة الأوضاع الناجمة عن الأزمة.

24- تطوير وتوسيع الدور التدخلي الإيجابي للمؤسسات العامة في التجارة الخارجية والداخلية بما يؤمّن استقرار المواد الضرورية وتوفرها بأسعار مناسبة للمواطنين، والعمل على تحسين مستواهم المعيشي من خلال تحسين القدرة الشرائية للرواتب والأجور ومراقبة الأسواق والأسعار وخفض اسعار السلع الأساسية والضرورية وتطوير مضمون السلة الغذائية المدعومة لتشمل مواد اضافية وضرورية أخرى.

25- العمل على أن تراعي عملية إعادة الإعمار قدر الإمكان نقل المناطق السكنية والمنشآت الصناعية المخالفة خارج المناطق الزراعية لإعادة إحياء المناطق الخضراء في المدن السورية التي توجد فيها مناطق مخالفات وسكن عشوائي وأصابها التدمير.

على الرغم من فداحة الخسائر التي مني بها الاقتصاد السوري نتيجة الأزمة إلا أن المهمة الوطنية الكبيرة والهامة الماثلة اليوم أمام جميع أبناء الوطن ومؤسساته العامة والأهلية هي تحويل عملية معالجة نتائج الأزمة إلى فرصة حقيقية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ومعالجة نقاط ضعفه ومشاكله الأساسية، سواء الناجمة عن الأزمة الحالية أو المرحلة التي سبقتها، وذلك من أجل جعل عملية إعادة الإعمار تحقق أهدافها وتعوّض مافات الاقتصاد السوري من نمو، بفعالية أكثر وبسرعة أكبر.

العدد 1140 - 22/01/2025