غرفة مسبقة الصنع
حين تعصف الريح تزداد وحشتك، تسمع صفيراً هائلاً منذراً بالخطر، تتأمل جدران غرفتك الكئيبة، تشتاق إلى بيتك البعيد في المدينة القابعة تحت سياط الجلادين، تفكر في من ينام في سريرك، الغزاة احتلّوا سريرك، ذاكرتك، وحتى ذاكرتك القادمة.
تقاوم ببندقيتك وذاكرتك_ ربما أحد أولئك الغرباء يفرغ شحنة شبقه أو يضع سلاحه على سريرك البائس.
تحاول أن تبعد عن ذهنك أن بيتك قد أصبح عدواً، كم من السنين تحتاج للتخلص من شعورك بأن بيتك قد شاركك فيه عدوك. وأنت تجول في سيل الذاكرة هذا، تحضن سترتك العسكرية لتقي نفسك الرياح المتسربة من شقوق الغرفة، الغرف مسبقة الصنع لا تقيك برد الشتاء، تمتلئ بالشقوق التي لا أمل منها، تجول بنظرك فترى الثقوب التي أحدثتها الشظايا، تشعل سيجارتك وتتأمل وجوه رفاقك التي زحفت إليها التجاعيد وبدأت بالتخمر، تتعتق كنبيذ يتألم بوحشية في الزجاجة وينتظر أن يتدفق بين شفتي فتاة منتشية.
في هذه الغرفة تعدّ سنوات عمرك على أصابعك المتشققة، تراقب بهدوء اصفرار خريفك المتدفق بقسوة، وتخوض معركة أخرى: هل ستنسى يوماً هذه الجدران التي التصقت بذاكرتك وتحلم بأنهار زرقاء؟
ترشح نقطة باردة من السقف، فتجذبك بألم إلى واقعك الموحل كالخنادق المبتلّة، يهرول حزنك بعيداً في أرجاء الغرفة، يشدّ أذنك ويهمس بخبث: كفاك كلاماً عن هذه الغرفة، الغرفة أيها البائس تقيك من الشظايا، تقيك من الضوء المؤلم، وحين تنهار تحت وطأة القذيفة تصبح هي قبرك وتصبح حجارتها شاهداً على وجودك، والتربة الخصبة لجذورك في هذا العالم الموحش.