الصواعد والنوازل في الجغرافيا السياسية

تتسارع التبدلات السياسية الإقليمية والدولية وتصل أحياناً إلى الحضيض، وفي أحايين أخرى تتصاعد.. وبمعنى آخر تشبه الصواعد والنوازل في المغائر الكلسية. فقد حدثت تغيرات في مملكة النفط والرمال.

إن التغيرات (الطفيفة) بعد وفاة الملك عبدالله في تبديل بعض المواقع والأشخاص، هي استجابة سريعة للطلب الأمريكي، إذ أعلن راعي البيت الأبيض أن (مشاكل السعوديين في الداخل). وعلى أثر ذلك بدأت السعودية تستعيد تدريجياً ما أتلفته سياسة المضاربة (التركية – القطرية)، وترميم قواعد هذا التحالف، والبداية كانت في التدخل في شؤون اليمن وتشكيل تحالف التخريب والقتل والموت و(تقحيط وجرف) البنية التحتية وتجويع الشعب اليمني.

إن صيف هذا العام سيكون صيفاً حاراً جداً.. التدخل يزداد في الشؤون الداخلية، خاصة في (سورية والعراق واليمن وليبيا). ويجري سباق في مَنْ سيكسب الرهان في تحقيق استراتيجية التقسيم وتفتيت دول المنطقة العربية وتوزيعها (إثنياً وطائفياً). ومن يتابع الخريطة السياسية وما يجري في الغرف السرية و(تحت الطاولة)، وتراكم التصريحات، وتحبير أوراق اعتماد لمبادرات الحل السياسي، ووضع تصورات كاذبة مراوغة أمريكية، خليجية، عثمانية، قطرية، بنت قواعدها في غرف عمليات الاستخبارات في (عمَّان وأنقرة والرياض)، يرى أن الإعلان عن مصطلحات (السعادة والاطمئنان والسلام) هي عبارة عن مخدّر لتأخير أي حل سياسي من جهة، والعمل من جهة ثانية على ترسيخ الإرهاب في المنطقة، والاستمرار في دعم المسلحين وتقديم التسهيلات الكبيرة لهم.

لم يحقق خبراء علم النفس الحربي ومراكز البحوث الاستراتيجية النجاح، في نشر الشائعات والدعايات والتوليفات وأخبار الشر، لزعزعة الثقة بين المواطنين السوريين والجيش العربي السوري، ولضرب التحالف السوري – الروسي، والسوري – الإيراني، ولم ينجحوا في نشر (أفيونهم) ولا في تخدير الشعب السوري وزعزعة ثقته بالحل السلمي وبقيادته وتحالفاته.

وكانت زيارة جون كيري إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي ووزير الخارجية، خطوة متقدمة في بحث التنسيق بينهما وتجسير العلاقة بين (موسكو2 وجنيف3)، وفي دعم مبادرة دي ميستورا التي تستغرق شهراً ونصف الشهر في مشاورات مع الوفود المشاركة للوصول إلى طاولة الحوارات.

وجهان بارزان ظهرا مؤخراً.. وجهان متقابلان ومتناقضان، عبَّرا عن موقفين محمَّلين بالتعارض والتنافر، يشكلان حدثين يمكننا التوقف عندهما، نظراً لأهميتهما (عسكرياً وسياسياً واقتصادياً).

الأول، حدث في قمة كامب ديفيد، وأُطلق عليه(اللقاء التاريخي) بين الدول الخليجية الست وسادتهم في البيت الأبيض، لمدة سبع ساعات متواصلة من الحوارات والمناقشات والابتسامات، عبّر عنه البيان الختامي بمجموعة توجهات ونتائج ركزت على:

– تتويج سبعين عاماً من العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج وصفها أوباما بـ (الاستثنائية).

– التزام الولايات المتحدة بحماية دول الخليج، والوقوف إلى جانبها ضد أي خطر أو هجمات خارجية.

– تعزيز آليات مكافحة الإرهاب ومواجهة خطر (داعش).

– اعتبار المبادرة الخليجية أساساً لحل الأزمة في اليمن، إضافة إلى دعم الحكومة العراقية.

– إن أي اتفاق شفاف وملزم حول نووي إيران يجب أن يعزز أمن المنطقة.

– الإشارة إلى وجود تغيرات استثنائية في دول الخليج.

ومن الناحية العسكرية تمَّ الاتفاق على:

1- إنشاء الدرع الصاروخي للخليج وتفعيل الإنذار المبكر.

2 -ضمان التفوق العسكري لدول الخليج وتسهيل الصفقات.

3 -الالتزام التام بالتدريب العسكري والأمني.

4 -أي اتفاق نووي مع إيران سيكون عبر الكونغرس فقط.

5 – إلزام إيران بعدم المساس بأمن المنطقة وعدم التدخل.

6 – دعم وتنفيذ الرؤية الخليجية في اليمن وسورية.

7 – التفاوض والاتفاقيات مع دول الخليج كـ كتلة واحدة.

8 – الخروج بجميع ما ذكر أعلاه بضمانات مكتوبة وملزمة.

الثاني، تمثَّل في زيارة بروجردي مسؤول الأمن القومي الإيراني إلى دمشق في وقت انعقاد لقاء الخليجيين والأمريكيين في كامب ديفيد.. ولهذه الزيارة دلالة سياسية كبيرة وتحدّ مباشر للتحالف الخليجي والعدوان على اليمن.. ومواجهة صريحة لكشف كذب أردوغان وغدره، بعد أن تعهّد بعدم دعم المسلحين من جهة، ومن جهة ثانية تكذيب الشائعات التي روَّجها التحالف الدولي والطابور الخامس، بتخلّي إيران عن دعم سورية، خاصة وهي في الطريق لتنفيذ الاتفاق النووي. فعدو سورية وإيران عدو واحد مشترك، كما عبَّر المسؤول الإيراني.

وأعلن بروجردي في المؤتمر الصحفي دعم إيران الثابت واللامحدود والدائم لسورية والمقاومة والمقاومين بوجه العدو. وأَّكَّد أن ملك السعودية (ليس بخادم الحرمين الشريفين)..وشدد قائلاً: (إن السعودية تقوم حالياً بدور إسرائيلي بأفعالها وحروبها).

ويرى الخليجيون أن على أوباما أن يعطي مصداقية كاملة في اللغة واللهجة، وأن يكون منفتحاً حول كيفية توسيع التعاون ضد التهديدات غير التقليدية مثل (الهجمات الإلكترونية). ويجب على واشنطن أيضاً الاستماع جيداً وكسب المعرفة أثناء اجتماع القمة، لا سيما من حيث التعرّف على ولي العهد محمد بن سلمان.

العدد 1140 - 22/01/2025