حول إصلاح القطاع العام
اللجان التي شُكِّلت سابقاً بخصوص إصلاح القطاع العام (خصوصاً الصناعي)، وكذلك الدراسات التي أجريت، والقرارات التي اتخذت في هذا الإطار خلال الفترة المنصرمة، لم تستطع تحقيق الهدف المرجو منها، لأسباب عديدة في مقدمتها:
1-عدم جدّية الجهات المعنية في تنفيذ هذه المهمة، نتيجة الافتقار إلى رؤية واضحة ومعتمدة حول وجود القطاع العام ومستقبله، في إطار رؤية شاملة للاقتصاد الوطني.
2- جزئية المعالجة والحلول المقترحة.
3- نقل تجارب خارجية ومحاكاتها، دون مراعاة الوضع المحلي.
4- عدم وجود توافق أو إجماع وطني على ما طُرح، لا من القيادة السياسية والحكومية، ولا من قبل اتحاد العمال والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى، لأسباب عديدة في مقدمتها: الخوف من (تهمة) تصفية القطاع العام.
وهو ما أدى عملياً إلى التأجيل المستمر في إنجاز هذه المهمة، وبالتــــــالي استمرار صعوبة أوضاع القطاع العام، وازدياد حدة المشاكل التي يواجهها، ما جعـــــــل مهمة إصلاحه تزداد صعوبة وتعقيداً وكلفة مع مرور الوقت وغياب الإرادة الجادة والحقيقية لتنفيذها.
مؤخراً عاد الحديث، من جديد، عن إصلاح القطاع العام، وشُكِّلت لجنة في آذار ،2017 برئاسة وزير الأشغال العامة والإسكان وعضوية وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والتنمية الإدارية ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، والأمين العام في رئاسة مجلس الوزراء، وممثل عن المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء، وممثل عن اتحاد نقابات العمال. وعلى الرغم من مضي أكثر من عام على تشكيل هذه اللجنة إلا أن نتائج أعمالها لم تظهر حتى الآن، وقد أُعطيت الجهات العامة فترة ستة أشهر، تنتهي في شهر حزيران القادم، لإنجاز المطلوب منها.
أمور عديدة لابد من مراعاتها فيما يتعلق بالقطاع العام، ولابد من أخذها بعين الاعتبار، في مقدمتها:
1– تأكيد الرغبة الرسمية الجدية في إنجاز خطة إصلاح القطاع العام خلال فترة محددة ( ستة أشهر مثلاً)، وتحديد البرنامج الزمني لتنفيذها خلال سنتين.
2– تأكيد أن عملية إصلاح القطاع العام شرط أساسي للمحافظة عليه، وتمكينه من القيام بالدور المطلوب منه إلى جانب القطاع الخاص في عملية إعادة البناء، لأن المحافظة (الشكلية) عليه بوضعه الراهن ، دون إصلاحه ، ستعطي عاجلاً أم آجلاً المبررات والذرائع أمام أعدائه لتصفيته.
3– التوافق على توجهات أساسية لإصلاح هذا القطاع، بحيث تتولى لجان فرعية مختصة إعداد الخطط التفصيلية لإصلاحه استناداً لهذه التوجهات بعد اعتمادها، وتحديد برنامج زمني لتنفيذها، وهذه التوجهات هي:
* التمسك بالدور الأساسي للقطاع العام وخصوصاً في القطاعات والمرافق السيادية الأساسية.
* ربط إصلاح القطاع العام بعملية الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، بحيث يكون إصلاح القطاع العام جزءاً مكملاً ومتكاملاً معها.
* تعديل الأنظمة والقوانين الحالية التي تحكم عمل القطاع العام في ضوء الدروس المستقاة من تطبيقها في الماضي والحاضر، مع مراعاة خصوصية كل قطاع ونشاطه، وبشكل يوفر له البيئة القانونية والإنتاجية والمالية والتنظيمية المناسبة ليكون قطاعاً رابحاً قادراً على التوسع مستقبلاً بإمكاناته الذاتية.
* تشكيل فرق عمل من المختصين بكل قطاع ونشاط من خارج الجهات العامة لتقييم الوضع الراهن للقطاع العام موضوع البحث إدارياً وتنظيمياً وإنتاجياً ومالياً (التمويل والفوائض والتشابكات الخ)، لضمان موضوعية التقييم وتقديم مقترحات وخيارات عملية لمعالجة أوضاع المؤسسات والشركات العامة.
* يمكن في حالات محددة (تقترحها اللجان المختصة) أن تجري المشاركة مع مستثمرين من القطاع الخاص، لتمويل عملية استبدال نشاط بعض الشركات أو تطوير بعض الشركات الحدية أو المتعثرة إدارياً وفنياً وتسويقياً من خلال عقود خاصة أو بالمشاركة أو بالطرح للاكتتاب العام للجمهور أو الجهات العمومية (النقابات المهنية، صناديق التوفير، التأمينات الاجتماعية)، بعد تقييم موضوعي ودقيق لموجودات الشركات المعنية، وعلى أن تجري عملية المشاركة حصراً من خلال الإعلان واستدراج العروض لهذه الغاية للحصول على أفضل العروض وتأمين الشفافية في دراستها وتلزيمها.
* اعتماد صيغة جديدة وعملية لمجالس الإدارة والهيئات العامة للمؤسسات والشركات العامة تكون حصراً من المختصين بعمل المؤسسات والشركات. وتتولى مجالس الإدارة والهيئات العامة المهام والاختصاصات المتعارف عليها، وبشكل خاص اعتماد السياسات والخطط ومتابعة تنفيذها وتطويرها، وترشيح شاغلي المناصب الأساسية وتعيينهم في جهات القطاع العام التي تتولى مسؤوليتها من خلال الإعلان والمقابلات.
* تقييم تجارب الشركات المشتركة وكذلك عقود الاستثمار التي جرت بين بعض جهات القطاع العام والقطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي، واستخلاص نقاط الضعف والقوة فيها، لتطويرها وللاستفادة منها في المرحلة المقبلة.
* الاهتمام بمسألة التدريب والتأهيل من أجل تعويض النقص الموجود حالياً في اليد العاملة من حيث العدد والنوع، وكذلك لتوفير حاجة مرحلة إعادة الإعمار من اليد العاملة، لأنه لا يعقل أن يجري الاعتماد على يد عاملة خارجية في هذه العملية، وهذا يتطلب رؤية خاصة لعملية التدريب تضمن تحقيق الاحتياجات العددية والنوعية، وتوفير مستلزمات ذلك من مؤسسات التدريب وبرامج التدريب والمدربين، وتوفير الحوافز المشجعة على التدريب وعلى المحافظة على المدربين والمتدربين، وتمكينهم من تطبيق ما تدربوا عليه بشكل عملي.
10– إصلاح القطاع العام، بوضعه الحالي، عملية مؤلمة ولا يمكن أن تتحقق بلمسة سحرية دون آثار جانبية لذلك يجب الاستعداد مقدماً للقبول بشيء من الألم والتضحية في هذا المجال، في الوقت الذي يجب فيه العمل على إنجاز هذه العملية في أسرع وقت وأقل كلفة وخسارة، وتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
بعد التوافق على التوجهات العامة وإقراراها من قبل الجهات الحكومية المعنية، يجري تشكيل فرق عمل قطاعية تتولى إعداد الخطط التفصيلية لجهات القطاع العام ذات الأولوية ضمن برنامج زمني محدد، على أن تكون هذه اللجان مكونة بشكل أساسي من خبراء مختصين.