فراق الجمال

يستوقفنا الجمال فنعجز عن الكلام والبوح الذي يليق به، تتعثر لغتنا أمام هيكله، يأخذ منا النظر فتعبر عيوننا رؤياه، منتشية بصورته، فنقف ذاهلين أمام ألقه، وإذا أردنا الهمس نجد قلوبنا وأرواحنا تتكلم بلمساته الحريرية عندما يلج أعماقنا.

فالجمال سر الحقيقة والحقيقة سر الجمال، أما النور فهو الوجه الأعمق للجمال بل هو الجمال بعينه، منه تنبع الحقائق ليتجلى للناظر بإشعاعاته، فيمسح الضباب عن كل بقعة، فتبدو فيضاً من بريق، تكشف الملامح الجلية أمام أعين الجميع. وأفكارهم المعرفية تعزف موسيقاها النورانية.. ترتل ترانيمها الممزوجة بالمشاعر والعواطف.تجعل الذات تحلّق.. وترسم بالفرح خيوطاً من ضياء. حينئذ تتأجج شرارة الصدق فيسطع الحب مشعشعاً بالخير، فائضاً بالنعيم الذي يدفعنا نحو وجدانيات الحياة الحقّة، لنسمو بالحب البهي ونرتقي نحو قمم الإنسانية انطلاقاً من تصالح الذات مع الذات الذي يوجه إدراكنا إلى مدى قيمة ماهو كائن والتمعن برحاب حقائق الأشياء التي بها نصل إلى ذروة مباهج الجمال.

فأين نحن الآن من جمال الوطن والإنسان في ظل أزمة الأزمات الممتدة الى حيث لا ندري؟

فإذا تأملنا بعيوننا رأينا ما ينوء به كاهل النور وما تبوح به غصته لما يدور حولنا من كذب ونفاق.. من ألم واحتراق.. إنها دائرة النار التي تشوّه الأرض والإنسان.. إنها أياد تلعب بجمر البراكين، تقذف حمم الكره والضغينة رافعة شعار القبح على سواد رايتها العلياء، تغطي الجمال بحجاب من دمار، عندئذ يرتدي القلب ثوب كآبة لا توصف ولا تعرف.

تبكي الأرض على فراق المطر، وأصحاب القلوب يبكون على فراق الجمال في ظل انقضاض السارقين نحو وليمة البشر والحجر، تحت زعزعة سماء الوطن والنجوم المتهاوية فوق جفاف ينابيع الفرح، فما أصعب أن يعيش الإنسان وهو يرى الجمال أمامه يتشوه من قبل إنسان الضغينة العابث بالوطن، المدمّر للنفوس المُحبّة، الرافع راية النفاق بين الأبناء ليتلاشى الخير ويسافر الحب بعيداً بعيداً.

فأية طبيعة يحملها ذلك المستحدث الذي يكره الجمال؟! من أي طين جُبِل ومن أية أم انحدر؟ ليسعى وراء الظلام والظلم.. هذا الإنسان المشوّه المولود من العتمة وفي العتمة.

ملعونة ولادته التي أوصدت الأبواب بوجه النور لأنه ينتمي إلى أصول قطعان الرعاع الذين يندحرون في دنيا من ليل وظلام ويتوكّلون على دين الدمار والسرقات.

أما الجمال فهو دين الحكماء الذين وعوا الأزمة الحالية، وهم الوحيدون الذين سيعيدون للوطن البهاء والألق وستتمتع أعين أصحابه المخلصين له بأسمى آيات الجمال.

العدد 1140 - 22/01/2025