أطفال دمشقيون يتحدّون الموت ويرممون مدرستهم بأنفسهم
بات من المعروف بأن لدى الأطفال قدرات كامنة بداخلهم تساعدهم في التغلب على الصعوبات والصدمات، وأنّهم قادرون على تطوير استراتيجيات للتأقلم والبحث عن مهارات للبقاء، خاصة عندما يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، وبالرغم من حاجتهم إلى الدعم النفسي والمجتمعي إلا أنهم قادرون على إيجاد البدائل والحلول المناسبة للخروج من مآزقهم.
وعلى الرغم من حرمان الطفل السوري من أهم المبادئ والحقوق التي تتعلق بالبيئة، والتي تعتبر سبباً أساسياً في دعمه لينمو ويتطور، وبالرغم من حرمانه من حجر الأساس في تربيته وهو التفاعل الإيجابي والصحيح بين إمكاناته الداخلية وبيئته، بما في ذلك الحي الذي يعيش فيه، والمدرسة التي يتعلم فيها وتعمل على صقل شخصيته بالمهارات الحياتية التي يكتسبها فيها.
هذا ما أثبته أطفال مدرسة (رابعة الشامية) في منطقة كشكول، التي نالتها قذائف المجموعات المسلحة، فحرم أطفالها من الذهاب إليها، واضطروا للانضمام لمدرسة أخرى، ولكن تحصيلهم العلمي تراجع بسبب تغيير معلميهم، وابتعادهم عن صفوفهم ومقاعدهم الدراسية، فقرروا العودة إلى مدرستهم وأن يقوموا هم بأنفسهم بتنظيفها وترميمها من الأضرار التي ألحقتها المجموعات المسلحة بالمدرسة.
أطفال لم يتجاوزوا التسع سنوات والعشر سنوات يرممون مدرستهم ويرفضون أن تبقى فارغة، كي لا تدخل المجموعات المسلحة إليها مرة أخرى، عادوا إلى مدرستهم وهم يحملون ذكرياتهم الجميلة، فنراهم يضحكون تارة ويبكون تارة أخرى لافتقادهم رفاقهم الذين تأذوا نتيجة دخول المجموعات المسلحة إلى منطقتهم.
إن أطفال مدرسة رابعة الشامية يرسلون اليوم رسالة إلى جميع دول العالم و إلى الأمم المتحدة بأن الأوجاع والتحديات طورت لدى طفل سورية إدراكه لذاته ولقدراته، وأبرزت لديه روح المنافسة الإيجابية، وتعاظمت حاجاته إلى الاستقلالية، وزادت اهتمامه بقضايا مجتمعه، وهذا ما بدا واضحاً من خلال مشاركة الأطفال بتنظيف مدرستهم وترميمها.
إن اكتشاف الطفل للمشاكل التي يعاني منها مجتمعه، وإدراكه للأحداث التي يمر بها وطنه، يعني وصوله إلى درجة من النضج والوعي كفيلين بدفعه للبحث عن المزيد من الطرق والأساليب لتحديد مسار تعلمه في حياته.
هذه الرسالة التي أرسلها أطفال مدرسة (رابعة الشامية) تهدف إلى العمل على تنمية العلاقة التبادلية بين الأطفال والمجتمع المحلي، فهي تساعد وتحفز الأطفال والفتيان والشباب على الارتباط بالمجتمع والعمل على تحسين أوضاعهم فيه، وذلك من خلال جمع المعلومات التي تساعدهم على فهم أفضل لبيئتهم، وإعادة التفكير بهذه المعطيات بشكل نقدي بنّاء، مع التأكيد على كل ما هو إيجابي وتنميته ونشره، والتعامل مع ما هو سلبي، بطريقة صحيحة.