فالنتاين.. ليس بالأحمر وحده..!

حمل فالنتاين رسالة حُب للبشرية جمعاء دون أن يفرّق بين الأجناس منذ عشرات القرون. وقدَّم نفسه فداءً للحب ومن أجل انتصار الحق والعدالة، والحفاظ على رائحة بخور الحب وطقوسه، وكي يظلّ عطراً فوَّاحاً ومقدمات استشرافية لمستقبل أجيال الشباب، يعطّر الفضاء ويطرد الشرور ويحافظ على الجنس البشري من الفناء.

لقد واجه فالنتاين الإمبراطور الروماني بصلابة وبأس وتصدَّى بقوة للفرمان الإمبراطوري، الذي ينص على حرمان الجنود من الزواج كي لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكنَّ عقود الزواج كانت تعقد سرّاً .. وعندما افتضح أمر فالنتاين حكم عليه بالإعدام في الرابع عشر من شهر شباط عام 270 ميلادية.. وأصبح هذا اليوم عيداً للإنسان أينما سكن وفي أي مكان كان. وكانت بريطانيا العظمى هي أول من احتفل يهذا العيد، الذي يتبادل فيه العشّاق رسائل الحب، وتأخذ شكل (بطاقات) يتمّ التبادل بها بين الناس عامة والشباب العشَّاق خاصة في مطلع القرن التاسع عشر. وفي عام 1847 صمّمت (إستر هاولاند) في منزلها البطاقات الخاصة لعيد الحب.

وتشير الإحصائيات التي قامت بها (الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة) في الولايات المتحدة الأميكيية، إلى أن عدد بطاقات عيد الحب التي يتمّ تداولها في العالم في كل عام يبلغ مليار بطاقة تقريباً.

لقد تعددت تسمية هذا اليوم، فأحياناً يطلق عليه (عيد الحب)، أو (يوم القديس فالنتاين) أو (عيد العشَّاق). وجاء في الموسوعة الحُرّة: إن يوم الرابع عشر من شباط يحمل اسم اثنين من (الشهداء) المتعددين للمسيحية في بداية ظهورها، والذين كانا يحملان اسم (فالنتاين). وبعد ذلك أصبح هذا اليوم مرتبطاً بمفهوم (الحب الرومانسي)، الذي عبَّر عنه الأديب الإنكليزي (جيفري تشوسر)، في أوج القرون الوسطى التي ازدهر فيها الحب الغزلي.

وبيّنت احتفالات السنوات الماضية بوضوح ماذا يجري في هذا اليوم من أعمال قاسية وممارسات تدلّ على (الحيوانية والغباء والتخلّف الفكري والجمود وإعدام الإنسانية). وكيف كان الأشرار يكسّرون واجهات المحلات المزينة بالأحمر، ويتلفون الدّمى والألعاب والثياب في دول (النجاسة والقذارة)، التي ما بعدها أي وصف قادر أن يشخّص هذه المواقف ويعبّر عنه.. فالكلام يقف عاجزاً عن نقل ما يجري في داخل بيوتهم ومهاجع الاسترسال والكيد والحماقة وإذلال الناس، وحتى أبناؤهم يلوذون بصمت وقهر وموت بطيء، وهم يراقبون آباءهم يحطّمون ذاكراتهم الشابة، وكيف يمارسون (أنصار التخلف والجهل) سياسة الإذلال والقهر والتسلط والتخلف.

مفارقات عجائبية في زمن ثورة الاتصالات، بين فتاوى شيخين، الأول، هو الشيخ السعودي محمد بن صالح العيثمين، الذي أفتى بعدم جواز الاحتفال بعيد الحب، فهو عيد بدعي لا أساس له في الشريعة، لأنه يدعو القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدى السلف الصالح، فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المأكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي وغير ذلك. وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه وأن لا يكون إمَّعَةً يتبع كل ناعق.

أمَّا الدكتور عبد العظيم المطغي، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الأزهر، فأفتى وعبّر عن رأي يدلّ على أنه رجل دين مستنير وصاحب موقف صائب، فقال: إنَّ تخصيص أيام بعينها للاحتفال بها من أجل توثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس مثل عيد الحب، مباحة ويجوز حضور الاحتفالات التي تقام من أجل ذلك، بشرط ألاَّ نعتقد أنها من شعائر الدين.

السؤال: هل الاحتفال بعيد الشهيد فالنتاين يتناقض مع قدسية الأديان الإسلامية والمسيحية والوثنية وأية عبادات اختارها الناس لهم؟

يظلّ الحب عنواناً كبيراً أو حلقة  تثبّت العلاقات بين الناس وتنّميها وتقويها. ورغم ما جرى وما يجري في سورية منذ أربع سنوات، إلاَّ أنَّ الحياة لن تتوقف فهي في حركة دائمة.

هناك من يرى أن من يرتدي الثياب الحُمر يكون في حالة حُب.. ومن يرتدي اللون الرمادي يكون حُرّاً غير مرتبط.. أما من يرتدي اللون الأبيض فيكون قلبه نقياً شفافاً، ولا يريد أن يزعجه أحد.. ونحن الآن نردد مع فالنتاين: ليس بالأحمر وحده.. يعيش الحُب..!

العدد 1140 - 22/01/2025