فهد بلان يكبر في الذاكرة بعد عقدين على الرحيل

في الاسبوع الأخير من كل عام أتذكر ان سورية عامة والسويداء خاصة فقدت أحد أعمدة فنها الأصيل، وأشعر أن كتابي الذي ألفته بعنوان (فهد بلان الفنان الإنسان) هو حاضر دائم بأفعاله ومآثره، ذلك لأن مطرب الرجولة فهد بلان لم يكن في يوم من أيام إلا واحداً من فرسان الأغنية العربية، النموذج لذلك الجبلي الاصيل الحامل معه نخوة الأهل والأجداد وأهازيج النشامى وحداء الأبطال، لم يرض ذلك الفارس المشهر سيفه وصوته وزمجرته التعبير إلا من خلال محليته وبيئته، وبالتالي تراه عاشقاً لوطنه الأم سورية، فغنى ما غنى وأنشد وأطرب، واسترسل في العطاء ليصل إلى القلوب والعيون الدامعة على فراقه مستذكرين دائماً وقفته الممشوقة وصوته الرجولي وإصراره على الأحرف المفخمة النابعة من ريح سنديان ظهر الجبل…

نعم، قبل عقدين من الزمن ودعنا العملاق الكبير في الفن والغناء والطرب الأصيل ابن الجبل البار مطرب الرجولة فهد بلان، وهو يمتشق سيف البطولة ويرتدي عباءة المجد. ودعناه والناس تردد له (عالبال بعدك يا جبل حوران… غالي علينا يا جبل… سورية درب للوحدة العربية… يا خيال يا رايح على الجولان… وتعيشي يا بلدي…).

لكن الأهم حينما يذكر فهد بلان في الأوساط الفنية ويغوص المرء في بحر فنه وبما يملك من مساحة صوتية، وقد أجريت على ذلك الصوت دراسات وبحوث علمية بأهمية فهد بلان، لذلك حينما أطلق عليه ظريف لبنان نجيب حنكش لقب (مطرب الرجولة) لم تكن عبثاً لأن المساحة الصوتية لتي يملها فهد تؤهله لذلك.

والدارس لنوع الأغاني والألحان التي اختارها بعد العودة لأرشيفه الذي ناف عن ألف وخمسمئة أغنية.. والتي تتفاوت بطبيعة الألحان الشرقية بين الطربية والوطنية والعاطفية والوجدانية والشعبية والقصيدة… وجميعها تحمل البعد الفني الذي تستحقه كل أغنية، فإنه يقف على أهمية الذائقة الفنية التي كان يتحلى بها فهد بلان، وهو العارف بقدرته ومساحة صوته وأدائه، وكثير من الملحنين قالوا عنه وخاصة الملحن المصري الشيخ سيد مكاوي: إنك تعطي فهد بلان لحناً كالشجرة بأغصان، ولكنه يكسو تلك الشجرة بالأوراق والثمار من خلال الأداء.

فهد بلان ظاهرة لا تتكرر في عالمنا العربي على حد قول الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، ولون جديد وأداء جديد في الغناء العربي كما ذكرت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وربما جاء ليحرك المياه الراكدة على حد قول العملاق الكبير رياض السنباطي.

رحلت أبا طلال وأنت في الذاكرة تكبر يوما بعد يوم!

العدد 1140 - 22/01/2025