العرب يتغيرون… ولكن كيف وإلى أين؟!
التغير والارتقاء سنَّة من سنن الكون؛ إذ الأصل في الحياة الحركة والحيوية الدائبة؛ أما الثبات في المكان فهو دليل سكون وموت.. ولهذا لم ننكر في يوم من الأيام عملية التحول الفكري والسياسي و… ما دام يحقق ارتقاء نوعياً في حياة الأمم والشعوب… ومن ثمّة آمنا بأن المتغيرات المتسارعة والخطيرة التي تمر بها منطقتنا، وبضمنها وطننا العربي، لم تكن إلا في سياق تاريخي حتمي أوجدته متطلبات التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي والخلقي لأبنائه… ولم نكن نظن أن هذه المتغيرات المباغتة والمفاجئة سوف تتحول إلى شكل فوضوي صادم يبدل الرؤى والتصورات، ويهدم الولاءات الوطنية الراقية، ويقلّل من شأن المقاومة ومفاهيمها، بمثل ما يدمر مكونات الدول وبُناها الفوقية والتحتية… فالأحداث التي يعيشها الوطن العربي أدخلته قسراً في حقيقة نزاع مأسوي انتقل من المطالب المشروعة للمجتمع كالحرية والديمقراطية؛ ومحاربة كل أشكال الفساد والظلم والقهر… إلى الصراع الدموي الذي خرّب النفوس وأشاع مفاهيم الفتنة الطائفية والمذهبية ومفاهيم القتل والتدمير لإسقاط مكونات الدولة وسيادتها وأمنها واستقرارها… أي إن هذا الاتجاه العبثي انتقل من مفهوم إسقاط السلطة السياسية إلى مفهوم إسقاط الدولة وتاريخها الحضاري وأركانها التاريخية التي قامت عليها ولاسيما المؤسسات العلمية والثقافية.
ومن أعجب العجائب أن هذا الاتجاه لقي دعماً ملموساً من الدوائر الغربية/ الصهيونية والأتباع والحلفاء الذين أغاظهم وجود بعض الدول المقاومة للمشروع الغربي الصهيوني، الذي يتجسد بالمشروع الصهيوني الاستيطاني ومشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير… فقد استطاعت هذه الدوائر التحكم بالقرار العالمي؛ ومن ثم استطاعت أن تدخل في صميم أحداث المنطقة لتعيد صياغتها وفق مصالحها الخاصة، وأخذت تنفخ في قوى الشر الداخلية لتبرز شرورها بشكل مباغت ومفاجئ في حركة توتر وشَحْن طائفي ومذهبي مستمرة وصادمة للعقل والمنطق… ثم راحت تنشر الشر في النفوس قبل الأوطان، وتزرع فيها قناعات جديدة، فنجحت تارة وأخفقت تارة أخرى. بيد أنها أوجدت شرخاً في النسيج الوطني الذي خرّقته رماح العداوة والكراهية… فطفق بعض أبنائه يحطِّمون وحدة العيش المشترك، ويقضون على كل صورة جميلة وبديعة في رياض الوطن.. فشهوة السلطة والمال والسيطرة تحكَّمت في كثير من الأتباع والتيارات الدينية المتشددة والسياسية المتمسكة بالفتنة الطائفية والمذهبية؛ حتى عميت البصيرة عن إدراك الحق والحقيقة، وبخاصة حين راحت تضم إليها ألواناً من الانغلاق على الذات، وألواناً أخرى من التشدد الراديكالي، فحققت للعدو الصهيوني ما كان يبتغيه.
ولهذا فإن التحولات الخطيرة التي برزت هنا وهناك أدّت إلى تغييرات بشعة ومرعبة في قاع المجتمع؛ فقتلت كل ما هو جميل في الحياة والوطن، ولاسيما حين سقطت في الصفات الآتية:
1 إسقاط مقولات الذات الوطنية والقومية.
2 الانصياع للآخر المعادي.
3 ضياع التفكير العلمي، والوقوع في صدام مع العقل.
4 السقوط في الردود الاستباقية غير المنهجية، وغير الموضوعية.
وأمام ذلك كله لم نجد سنداً قوياً للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؛ والحفاظ على سيادة الوطن والأمة إلا الشرفاء الأحرار؛ والوطنيين الصادقين من المثقفين والسياسيين والكتاب وأهل المروءة والكرامة ورجالات جيشنا البطل… وقد لقيت قضيتهم العادلة في الحفاظ على الدولة ومكوناتها الدعم العظيم من أولئك الأصدقاء النبلاء الذين عاهدوا ووفوا؛ وجاهدوا فصدقوا؛ فكانوا جوهر الوجود الإنساني الأصيل من أبناء إيران وروسيا والصين وفنزويلا والهند والبرازيل وغيرهم من شرفاء الأمة العربية والإسلامية ودول العالم.
لذلك كله نقول: إن العرب يتغيرون؛ ولكن للأسف يتغيرون من سيئ إلى أسوأ… وكأن هتلر قد عرف حقيقة عدد غير قليل منهم فصنفهم في الموضع الذي يستحقونه، وجميعنا نعرفه! فهلاّ ارعوينا؟!
رئيس اتحاد الكتاب العرب