الذاكرة مَقْبَرة الماضي

هناك من يرى أن ذاكرة الشخص تبقى حيّة ووقَّادة حتى بعد وفاته وتحوّل جسده إلى رماد..! وهناك من هو أكثر واقعية ويقول (تموت الذاكرة بموت الإنسان.!) وآخر يرتكز رأيه على قاعدة علمية لا يمكن التهرّب منها، ويؤكد أن للذاكرة عُمْراً محدداً ونهاية حتمية كحتمية الموت..! وآخرون يرون أن الذاكرة هي مقبرة الماضي الذي لن يعود.. وأن الذاكرة مثل البيوت الطينية يمكن أن تتهدّم وتتحول إلى ركام إذا تعرضت لهزة أرضية تبلغ ثلاث درجات حسب مقياس ريختر… وفي عُمر معيّن تبدأ خلايا الذاكرة بالاهتراء والتلف.. ويبدأ مرض النسيان (مرض الشيخوخة) يأكل الخلايا وتُرْمى في مقبرة الذاكرة، ولن تعود إلى الحياة مهما قدّم له من علاج بالعسل والسمن العربي  والفيتامينات متعددة الأصناف والأنواع والألوان، لتنشيط الذاكرة لمن هم فوق الخمسين..!

لقد تعلمنا من مدرسة الحياة دروساً كثيرة، وتخرّج من أكاديميتها ملايين البشر، منهم من حافظ على ذاكرة نظيفة تخزّن ما هو مفيد وجميل لصاحبها وللأصدقاء والأسرة والوطن.. ومنهم من أصبحت ذاكرته ملوثة بالنفايات والكذب والنرجسية والحقد والفوقية والذاتية المميتة، وعدم الائتمان له وحتى الأمان لصداقته المغشوشة السوداء، مثل وجه باراك حسين أوباما وبنيامين نتنياهو وهولاند وأردوغان وملوك الجزيرة وإماراتها ومحمياتها وأولياء العهد وأولياء أوليائهم.. وغيرهم من جحافل الموت والتخريب وأمراء الخلافات و.. و . الحاقدين من مرتزقة وعسس وشتَّامين وأنذال، ينبغي عدم السكوت عن أعمالهم أو التقرّب منهم، فهم كالورد الاصطناعي بلا رائحة، وكالقبور التي لم يزرها أبناء الموتى وأحفادهم، ولو مرة واحدة في سبت الأموات أو في أيام العطل والزهر والأعياد وشمّ النسيم..! لقد أصبحت ذاكراتهم مقابر لا يمكن إحياء من مات ودُفن فيها.

لم أصدّق أن وردة نبتت وعاشت في تربة هذه الذاكرات.. وأنها تبكي على خلايا هؤلاء وتذرف أوراقها الدموع عليهم، فكل ما يقولونه من كذب غدا معروفاً للقاصي والداني، أو أنهم يتعطّرون بالصدق والأمانة والتضحية لوطن يعبث به التكفيريون والجهلة تمزيقاً وقتلاً وتدميراً.

لم أرَ أو أصدّق أن الشمس ابتسمت لهم مرة واحدة، فهي تعرف عتمة أفكارهم ونواياهم وكراهيتهم للأزهار والطبيعة الجميلة.. وهؤلاء لصوص يتاجرون بأعضاء الناس الأحياء والأموات يبيعون الوطن بثلاثين من الفضة، وكيف الآن وإغراءات الأخضر من بلاد العم سام ومن بلدان الرمال والخلجان وافرة وتوزّع بلا حساب على رعاة القتل ..!

السؤال: هل يمكن أن تستعيد الذاكرة الميّتة ألقها من جديد في زمن الأعاصير، وتزايد عمليات النهب والسرقة والفساد والتلاعب برغيف المواطن .. ورواج سياسة تجار الحروب وتوليفاتهم المخمورة وهم سكارى لا يَصْحون ولا يصحّون، لا في هذا المكان ولا في أي زمان حاضر أو في زمان مضى وانتهى، وذلك لتعطّل (فيوزات) الخلايا وانطفاء أنوارها وتشغيل مواقد الرذيلة والكراهية والبذاءات، وكلّ شيء ضد مصالح الإنسان والأوطان .. فلم  يعد هؤلاء ينفعون لأن ذاكراتهم لم تتجدد  وماتت خلاياها وأصيبوا بزهايمر الجنون  والعفونة..!

العدد 1140 - 22/01/2025