النهوض الشعبي ضد الإرهابيين.. والتعبئة المطلوبة
تؤشر معظم التطورات الأمنية في الحرب الدائرة ضد سورية إلى استمرار وتيرة تصعيد الهجوم الإرهابي في معظم المناطق السورية، وكان أبرزها القصف الوحشي على حلب، والمحاولة الفاشلة لاقتحام محافظة الحسكة، واستكمال السيطرة على ريف إدلب، وتكثيف العمليات ضد ريف درعا لاستكمال تنفيذ مخطط الاستيلاء على جنوب وجنوب غرب البلاد المتمثلة بمحافظات درعا والسويداء والقنيطرة بهدف تهديد دمشق.
والبارز في هذه التطورات هو النهوض الشعبي بمواجهة الإرهابيين الذي برز في محافظة الحسكة، حيث انضم إلى الجيش العربي السوري الألوف من أبناء المحافظة من مختلف مكوناتها، وتمكنوا من صد المعتدين وإلحاق هزيمة ماحقة بهم، كما برز في الصمود البطولي لأهالي حلب الذين تعززت لحمتهم مع الجيش، وتمكنوا من إفشال محاولة الإرهابيين اقتحام الأجزاء المحررة من حلب، وتحمّلوا في هذا المجال ضنك العيش والحرمان من المياه والكهرباء والغذاء الذي مارسه الإرهابيون عليهم. أما في محافظة السويداء، فقد تمكن الاستنفار الشعبي والتحاق مئات المتطوعين من الشباب والشابات، في أروع عملية مقاومة شعبية باسلة ضد المهاجمين، من صد هجومهم على مطار (الثعلة)، وباءت محاولاتهم لاقتحامه بالفشل الذريع في أكثر من ثلاث هجمات على هذا المطار والقرى المجاورة له.
وعلى هذا المنوال، تجري المقاومة الشعبية والعسكرية ضد التنظيمات الإرهابية التي تحاول اقتحام بلدة (حضر) في سفوح جبل الشيخ، وها هم أولاء المتطوعون من أبناء البلدة والقرى المجاورة يشكلون (فزعة) شعبية للدفاع عنها، ويصدّون قطعان المرتزقة والإرهاب ويحولون دون احتلالهم لهم.
ويمثّل هذا النهوض الشعبي الذي لا يقتصر على المواقع المذكورة، بل يتعداه إلى كل الأنحاء التي يهددها الإرهابيون، يمثل تطوراً محلوظاً يثبت لكل من لا يزال يضع الغشاوة على عينيه أن الشعب السوري لا يرضى بالذل، ولا يقبل أن تدنس أرضه جحافلُ الغزاة الذين تسللوا إلى أرضه من أكثر من ثمانين دولة، حاملين لها الموت والدمار والجهل.
إن سير الأحداث يثبت أيضاً أن المعركة ضد هؤلاء وضد داعميهم، هي معركة طويلة بالرغم من التسريبات المنتشرة هنا وهناك حول وجود مساع دولية للوصول إلى حل سياسي للأزمة- المحنة التي تمر بها بلادنا.
إننا، مع مطالبتنا بإيجاد مثل هذا الحل الذي يوفر على شعبنا أنهار الدم التي تسيل وإنقاذ سورية من التدمير والتقسيم، ولكننا، من خلال متابعة المواقف الدولية والإقليمية، نرى أن الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوربية مضافاً إليهم بعض بلدان الخليج وتركيا والأردن وإسرائيل ستعيق الوصول إلى حل سياسي يحفظ استقلال الأرض السورية الخالدة ووحدتها وكرامتها، بل بالعكس إنهم يصعّدون هجومهم على الشعب السوري ودولته الوطنية، للاستمرار في استنزاف قواها العسكرية والبشرية والاقتصادية والاجتماعية، وإيصالها إلى مائدة المفاوضات القادمة المحتملة، وهي هالكة وعاجزة، مما يضعها في أضعف موقف، بحيث تقبل بأي حل سياسي يُفرض عليها، بما فيه الحل الذي ينتقص من سيادتها الوطنية.
وعلى هذا الأساس نقدّر أن المعركة الطويلة المستمرة تتطلب وضعاً استنفارياً شاملاً يضع الشعب في قلب المعركة، وجنباً إلى جنب مع الجيش.
إن المقاومة الشعبية أثبتت فاعليتها في جميع المعارك الوطنية في التاريخ، وبضمنها معارك الخمسينيات، وعلى الدولة أن تستوعب دروسها وتشكّل الأطر الملائمة لعملها، وبإمكان لجان المقاومة الشعبية التي يمكن أن تنشأ في جميع الأراضي السورية أن تكون الظهير المساند للقوات المسلحة حيث يتطلب الأمر ذلك.
كما يمكن أن تساعد هذه اللجان في تنظيم الوضع التمويني، وفي مساعدة مؤسسات الدولة على استمرار عملها في فترات تأزم الأوضاع، وفي التصدي لأمراء الحروب وتجار الأزمات والمضاربين، وللطابور الخامس الذي يروج للأفكار الانهزامية واليائسة.
إن كل هذه التوجهات لا يمكن أن تقوم بها الحكومة بمفردها، بل هي من واجبات الأحزاب السياسية التي يجب أن تأخذ دورها في المعركة.
إن مساعي الحل السياسي تتطلب صموداً ميدانياً، ولكنها في الوقت نفسه تتطلب وضعاً سياسياً في الداخل، بحيث تشارك الجماهير في الدفاع عن وطنها وعن بيوتها وأحيائها وأبنائها، وأن تلعب القوى والأحزاب السياسية دوراً فاعلاً في التعبئة وفي المقاومة الشعبية.