ولٍدَتْ والعار مُسمّاها

 في مجتمع يقتات على القيل والقال، وجبته الدسمة غالباً اسم فتاة يُدسّ في أحاديث ملوثة، لمجرد أن صوت نَفَسِها مسموع..

فماذا تفعل هذه الأنثى إذا وُضِعت تحت مجهر الألسنة، وكانت العنصر الأسهل للعبث دون رادع، فصوت حقها مسلوب، والبوح كبيرة الكبائر؟

يتعاطى المجتمع عموماً والأهل خصوصاً مع هذه الفتاة على أنها جرح نازف بالعار يجب ألا تطوله أشعة الشمس، بل أن يبقى حبيس الجدران.

وبعد كل ما وصلنا إليه من أشياء نُدرجها تحت مُسمى التطور، مازالت شهادة الفتاة في بعض البيئات تقبع على جدار المطبخ، أما مشاركتها في بناء المجتمع فإن بعضهم يرى أنها إذلالٌ لرجولتهم!

لا أدري أي رجولة هذه! إذ لا تسمح لساعدها أن يبني مجتمعاً، والساعد ذاته قد صيّره رجلاً!

أيُّ رجولة تفتح مسام مخالب الغدر على الفتيات تارة، والمخالب الرجولية ذاتها تتطاول حين يُذكر ما يخصّه من فتيات الأسرة؟

معادلات لن تحلها كلمات ولا محاضرات في الأخلاق، ما لم تصدر عن قناعات شخصية ورادع ذاتي.

والعامل الأهم للوصول إلى حل هو إخماد فوضى الخوف في كيان المجتمع من كل قضية زارتها نون النسوة، لا سيما المشكلة الأعظم التي تنهش الروح والجسد (التحرش)، فهو فعل منافٍ للأخلاق تقترفه وتتقبّله بعض الضمائر بسهولة، والكتمان سيكون سيد الموقف، ولن تُجدي دموع فتاة حُرقت أمام جبروت ظلمه.

تتعدد المواقف التي تُنتَهك فيها كرامة الأنثى، بتحرش لفظي وآخر جسدي، والدمار النفسي يَخفى عن العيون لكنه يؤثّر في تصرفاتها ومسيرة حياتها المُقبلة.

ولا يقف الأمر عند الحبس عن الوجود كحماية، فالتحرش قد يطولها من داخل عائلتها وصولاً إلى بقية مجالات الحياة.

إن كانت فتاة اليوم فهي أمّ الغد، فكيف ستبني أسرة والركام في داخلها؟! كيف ستربي ابنتها؟!

كيف ستعطي ابنها القوة وهي من ولِدَتْ بالخوف منه وعليه.. ولِدَتْ والعار مُسمّاها؟!

أسئلة إن وضعها المجتمع نصب عينيه سنحل نصف المشكلة، ونعطيها كامل الحق في التعبير عن ذاتها، والنار التي تحرق عذرية إقبالها على الحياة.. 

ليس من الضروري عند فتح ملف التحرش، وفضح مُقتَرِفِهِ أن يكون الصوت عالياً يجرجر الألسنة، يكفي فقط أن تُطرح القضية في الرواق الذي يحلها ولا يشوهها، أن يكون الرادع قانونياً، حين لا تجدي الأخلاق والأديان في المنع نفعاً.

ولا بدّ من الإشارة إلى الصحفية المصرية هند عبد الستار، كحالة إيجابية مشجعة لكل فتاة تسعى وراء حقها، بلا أي خوف ولا خجل، إذ لم تكن قضيتها محطَّ إشفاق وتعاطف، بقدر كونها أنثى تفخر بها الفتيات، لجرأتها وفتحها الباب أمام الكثير من الحالات المخنوقة، أو لأن قضيتها قد تُشكّل عائق خوف أمام الشباب، فالحق حقّ في أي جزئية من الحياة، وسارق النور من الأعين لا يقل إجراماً عمّن يسرق الأموال، بل يفوقه بشاعة أيضاً.

الكثير من المشاكل ستبقى عالقة تخنق النفس وتسلب الحياة ما لم نجتثّها بالقانون

العدد 1140 - 22/01/2025