أداء الحكومة.. نقش من طين

الأداء الحكومي البطيء، والمترهل، يثير الشفقة، قبل أن يثير التساؤل حول حالة الاستكانة المقيتة التي تميز أداء معظم الوزراء؟ فلا يوجد ما يميز أداء هذه الحكومة، ويترك بصمات واضحة، تعكس ما قدمته، وما أنجزته، على مختلف الصعد، لا سيما الاقتصادي. إذ لا تتعبنا الحكومة في البحث عن قضايا إيجابية نفذتها، فهي غارقة في تفاصيل تظن أنها مهمة، وتشكل محاور أساسية في عملها. والمتتبع للمناقشات التي تجري في مجلس الوزراء بجلساته الأسبوعية، يفاجأ بجدول الأعمال والقضايا المطروحة، وقلة ضرورتها، وعدم التصاقها بهموم الناس. على الأقل ما ينشر رسمياً، يعبر عن توجه حكومي غير مرغوب شعبياً،  لاسيما في هذه الفترة، التي تبدو مشكلات الناس وهمومهم المعيشية خانقة جداً، وتتضاءل الخيارات أمامهم في سبيل معالجتها، وإيجاد حلول جذرية لها. في الجلسات الأسبوعية لمجلس الوزراء، نفحة تفاؤلية غير حقيقية، ومحاولات لإيجاد تعابير تدغدغ المشاعر، وهذه  وصفات قديمة جداً، لم تعد نافعة، ولا تؤدي الغرض المطلوب منها. كلمات جافة، وجمل إنشائية مكررة، تبحث عن مضامين حقيقية، وعن مشروعية وجودها بين السطور، إنها الرسالة الإعلامية غير المقنعة إطلاقاً.  في تلك الجلسات، ومن خلال تسريبات معينة لبعض الوزراء، تبدو الأمور لا كما ينقلها الإعلام، ثمة سخونة في بعض النقاشات، وآراء متناقضة حيال القضايا التي تطرح، فلماذا تغيب عن الإعلام؟ بصراحة، لا ينتظر مواطننا من الموعد الثابت يوم الثلاثاء أي جديد، فالجلسة الأسبوعية التي نتوقع أنها تعالج أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية …الخ، وتناقش التوجهات العامة، وتفاصيل القرارات المراد اتخاذها، وغيرها من صلاحيات مجلس الوزراء، تبدو ـ أي الجلسة ـ بلا لون، لا أحد ينتظرها، ولا يتوقع منها صدور قرارات مهمة. هكذا تحولت الجلسة المهمة إلى اجتماع روتيني، كغيره من الاجتماعات الدورية التي تعقد من أجل تذكير الناس بأن مسؤولاً معيناً مازال موجوداً، ويدير مؤسسة ما. لا ينتظر المواطن من حكومته العتيدة، أن تخبره أنها تعمل، أو أنها فعلت كذا، وأن وزيراً جال على مؤسسة معينة أو محافظة بعينها، هذا يعبر عن حالة القحط في مجال المنجزات والوهن في جدول الأعمال، إذ تظهر التأكيدات هنا كنفيٍ للشائعات أو الأخبار الكاذبة، وبالتالي فمقصدها ليس المواطن، بل الجهات الأخرى.

يبحث المواطن عن شيء ما يثلج صدره، أو أنه ينتظر معالجة قضاياه،  كنوع من التذكير بأن معاناته اليومية تؤخذ بعين الاعتبار، لكنه لايجد هذا في جدول الأعمال. يتوقع كثيرون أن جدول الأعمال يتوجه للمواطن، لكن الواقع مختلف، لامتابعات حثيثة، ولاثمة طمأنات حقيقية، ولدينا من الأمثلة الكثير. ومنها، مشكلة النقل الداخلي والاجتماعات النوعية التي عقدت، والمهل القانونية التي أعطيت للحصول على نتائج، كانت حصيلتها المزيد من التردي لواقع النقل، وعدم العناية بهذا القطاع الحيوي، وترك عصب الاقتصاد غارقاً في المشكلات. هذا ما يثير حنق الناس، ويبدد محاولات زرع الثقة، أو غرس الأمل في نفوسهم، بأن مستقبلهم أفضل، ومشكلاتهم تعالج، وهمومهم في طريقها للحل.  إذ يشعر الناس بغياب الشفافية، وبالمزيد من التهميش الذي تعاملهم به الحكومة، وإقصاء مشكلاتهم، وتحييد أبرز قضاياهم. هل يشعر فلاح أن مستلزمات إنتاجه ستؤمّن؟ ألا تعتمد الحكومة على مأثور شعبي فاشل مفاده ( دبر رأسك)؟ هذه حالات للخلاص الفردي، تعبر عن فشل ذريع في معالجة القضايا العامة التي تمس حيوات الناس. الآن ثمة مشكلة معقدة تعصف بحياة عدد لايستهان به من مزارعي الخضار، فإغلاق المعابر البرية والمنافذ الحدودية، نتيجة الحرب الطاحنة في سورية، دفع المزارعين إلى بيع منتجاتهم بأقل من سعر التكلفة، دون أن تتقدم جهة ما، وتساهم في إيجاد بدائل تساعدهم على ترميم ما خسروه. ما حدث يندى له الجبين، إذ هناك صمت حكومي مطبق، وغياب لقضية لا تتعلق بالواقع الراهن فقط، بل بمواسم زراعية قادمة، وبرغبة المزارعين في العودة مرة جديدة لزراعة أراضيهم، وتوفير المنتجات للمواطن، والمساهمة في الأمن الغذائي الذي افتقدته البلاد. مشكلة مزارعي الخضار اليوم ليست شخصية، ومن الظلم اعتبارها كذلك، إنها مشكلة عامة، تمس حياة السوريين جميعاً، المطالبين بتوفير غذائهم بأسعار معقولة. بالمسطرة ذاتها يمكن القياس، حول أداء الحكومة تجاه القطاع الصناعي، المصاب بالكثير من الأمراض القاتلة التي تفاقمت على مر الأيام، إذ يغيب الاهتمام الحقيقي، ويترك الصناعيون يواجهون قدراً سيئاً، وسط اللجة، في حين لا يتوانى المسؤولون عن ترديد عبارات الدعم والرعاية والحماية.

أداء الحكومة بلا ضجيج، تغيب عنه الحيوية. أداء متراخٍ، سمته البطء الشديد، والروتين القاتل، وتغلب عليه الصفة الاستعراضية، والاحتفاء بالقضايا الصغيرة. فهو أداء يعبر عن أصحابه بلا رتوش، كما الواقع يعبر عن الاقتصاد بصدق.

العدد 1140 - 22/01/2025