أزمة قلبية.. وتكاد تكون موتاً سريرياً

منذ حكومة العطري ودردرتها للاقتصاد السوري وتهشيمها للبنى بكل أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والرياضية وكل البنى السورية، وابتلاء البلد بأمراض كنا قد وصلنا إلى مرحلة الشفاء منها، ومنع الدواء عن معالجة بعضها، فنتجت البطالة وزاد الفقر وهجر الناس أراضيهم، هذه الأمراض كانت مدخلاً ولج منه المتربصون ليمنعوا العلاج ويدمروا ويحطموا ويكرسوا وجود أتباعهم، وتستمر سياسات الغرب وتنجح في عرقلة التنمية والنمو واستمرار هذه البلاد سوقاً لمنتجاتهم وأسلحتهم، وكذلك سرقة عقولها المفكرة ومبدعيها البنائين، فكيف إن كان البنيان المقصود تدميره هو سورية العمق التاريخي المتفوق حضارياً التي وصفها أحد الباحثين الفرنسيين بأنها أجمل متحف طبيعي على الأرض، ونحن نسميها جنة الله على الأرض؟!

منذ البدء قلنا إن الفساد فتك بنا، وأننا بتحصين داخلنا وتقويته نكون فرّغنا مفعول نصف اسلحة من يتربص بنا ويريد تدميرنا وتحطيمنا وسلب كل منجزات تنميتنا، ولا يكون ذلك إلا بتقوية البيئة الوطنية التي صمدت وصبرت بشكل أسطوري وإعجازي بدعم من اقتصاد ونهج تتالتمحاولات تفريغه والانقضاض عليه من أناس اغتنوا من هذه البلد وخيراتها ومن الفساد، وهذا يكون بقطع يد الفاسدين وتجار الأزمة الذين تمادوا. وكيف لايتمادون إذا لم يجدوا من يمنعهم ويحاسبهم ويعرقلهم، وكم كان تسهيل مشروع العطري والدردري سبباً لما وصلنا إليهي، رغم وجود حملات من حزبيين وأكاديميين ومسوؤلين ونقابين تندد بما يجري وتبيّن ما ما سيكون، وفعلاً أصبح واقعاً وكارثة، وظننا أن هذه العقلية ستتغير وخاصة بعد الإجراءات التي اتخذت في بدايات الأزمة الكارثية التي حلت ببلدنا الغالي، كخفض أسعار المحروقات ورفع الأجور وتعديل بعض القوانين وتثبيت العمال، ولكن ما لبثت أن انحرفت الأحوال وكان أغلب الباحثين يوكلون سبب ارتفاع الأسعار لوزارة حماية المستهلك،  وارتفاع الدولار لحاكم مصرف سورية المركزي، ولم يكونوا يظلمون وإنما ينقدون مستندين إلى سلوكية واضحة الخلل بتحييد دور عناصر الوزارة عن مراقبة الأسواق وعن ضبط الأسعار وعن خلل في عمل مؤسسات التدخل الإيجابي، وعن تثبيط دور مؤسسات التدخل الخارجية أو تثبيط دورها بشراء موادها من المحتكرين القلة الذين تولوا استيراد السلع، أو عن طريق العمل بسلبية لفرض تحرير السلع في ظل أزمة مفرطة لا يمكن أن يقاد الاقتصاد والرحمة بالعباد إلا عن طريق سيطرة الدولة على جميع مفاتيح الاقتصاد وتوجيه القطاع الخاص ليكون سنداً ودعماً لا أن يكون القائد، وتكون الدولة الأداة التي يجبي هو الأموال عن طريقها، وآخر رفع للأسعار على السكر والزيوت والسمن اتخذته هذه الوزارة التي طالما هربت من التسعير الإداري الخادم للمواطن ولكنها تلهث عندما يخدم قرارها التجار بقرارات تجر التضخم وترفع الأسعار، فأي تخفيض للأسعار يا رئيس حكومتنا وقد أصبح أغلب الشعب اليوم تحت خط الفقر؟! قبل الأزمة كانت الأسرة المكونة من 5 أشخاص بحاجة لــــ30 ألفاً فماذا تحتاج اليوم؟ هل نضرب بــــ5 أو 6 ارتباطاً بالدولار؟ هل يكفي متوسط الراتب الذي لا يتجاوز 18 ألفاً للأسرة أم ماذا في ظل أجور نقل تضاعفت أضعافاً؟

في هذه الفترة الأخيرة انخفضت أسعار بعض الخضار ولكن لم ينزل التجار أسعارهم ولا خفضت وسائل النقل أجورها ولم يرفع القطاع الخاص أو العام رواتبه، ومن كانت البلاد بالنسبة لهم منجماً فهؤلاء زاد ترفهم وغناهم ورقصهم حتى تظنهم يرقصون على الدماء ولكل واحد منهم 10 مرافقين، كان أهم علاج هو اللعب على الحالة النفسية التي نجحت بمبادرات فردية لأشخاص ثقة، لكن سياسات المركزي دمرتها ليعود الدولار إلى الارتفاع مزهواً بدعم المركزي له مقابل الليرة، فكلما أثبتت الليرة فعاليتها لعب المركزي بأداة، كمنع التحويل إلا بالسوري لجعل تحويلات الناس تتجه إلى مراكز الصيرفة غير المرخصة، وعندما تحارب هذه المراكز ويهبط الدولار يعود ليلعب بسعر الاعتمادات، وليلحق بأي سعر تفرضه السوق السوداء بدلاً من أن تكون هي اللاحقة له وأي سوق سوداء؟ صفحتان على الفيسبوك وتاجر بكل محافظة يفرض السعر الذي يريده ويقوض كل سياسات المركزي، فأي تاجر هذا وأي صفحة فيسبوك هذه ليعود الدولار للارتفاع بعد أن نجحت سياسة الحرب النفسية بحجة دعم من قبل دول صديقة المصرف بودائع تتجاوز المليارات، ولكن الميالة بالمرصاد لنا ولكل أدواتنا ليعود الدولار فيتجاوز حدود 300ل.س وتعود الأسعار للارتفاع، والشعب المسكين يأكلها ويجرح بأقسى سكين، والفريق الاقتصادي يطل علينا ويبارك انخفاض الأسعار ومكافحة الفساد ومحاسبة تجار الأزمة. أي أسعار؟ وأي فساد؟ وكأن الدواء الذي وصف استبدل به دواء فاسد، فزاد الفساد وتضاعف وأبدعت اساليب جديدة وعديدة ، للأسف نقول إن الشعب تأقلم على فيضان الدماء، هذه الدماء التي روت سورية بطهارة لينمو الزرع البناء لسورية التيصبرت وصمدت ولكنها راهنت على تغيير العقلية التي لم تتغير ولم يكن ما يجري إلا تغيير قبعات! ماذا حصل بموضوع محطات الحاويات؟ أو معمل الأسمنت؟ أو شركات الطيران؟ أو شركات التأمين؟ وهل أقر مشروع تفريغ الأطباء؟ وهل اقتنعتم بالنظام الصحي الذي أوصلنا إلى تنمية بشرية عالية صنفت سورية كأهم نظام صحي بالشرق الأوسط من ناحية تكامله (توعية ووقاية وعلاج) قبل أن تقحم المشافي الخاصة على حساب العام واللعب بجودة الخدمة المقدمة له، وقبل أن تحول معظم المشافي إلى هيئات حتى يتحول بعض مرضاها إلى الخاص، قبل أن يعم الفساد والخراب بأداء كوادر هذا القطاع وقصص الفساد التي أفرغته وكُشفت وتستر عليه البعض؟، الأسعار لم تخفض والفساد زاد.

 وباختصار أقول: إن أزمة سورية قلبية وليست نسائية وقد تتحول إلى نوم سريري، ومن أجل الفريق الاقتصادي أقول هذا الولد هو نفسه ذلك الجنين بعد أن كبر، فلنعالج القلب قبل أن نصل إلى مرحلة الموت السريري..

العدد 1140 - 22/01/2025