الكفاءات السورية الطاقات المستنزفة بين التهجير الطوعي والقسري (2من3)

4 – ضعف الاهتمام بالعلماء والبحث العلمي:

 عدم توفر التسهيلات العلمية، وعدم وجود المناخ الملائم لإمكانية البحث العلمي، فوفقاً لتقرير العلم في العالم الذي تصدره اليونسكو، يعدّ تمويل البحث العلمي في العالم العربي من أدنى المستويات انخفاضاً في العالم، فوفق المعايير الدولية هناك نسبة في الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي إلى إجمالي الإنتاج المحلي كما يلي:

– أقل من 1% يكون أداء البحث العلمي والتطوير ضعيفاً جداً.

– من 1-1.6% يكون أداء البحث العلمي والتطوير في مستوى الأداء الحرج.

– من 1.6- 2% يكون الأداء في مستوى جيد.

– أكثر من 2% يكون الأداء في مستوى مثالي.

فقد بلغ معدل الإنفاق العلمي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي 0.14% فقط في العالم العربي، مقابل 2.53 % عام 1994 للكيان الصهيوني، و2.9% لليابان و1.62% لكوبا، وأصبحت عام 2002 نسبة الإنفاق على البحث العلمي 0.2% من الناتج القومي مقابل 2.5% في البلدان المتقدمة وكذلك كان عدد العاملين في البحث العلمي 35 ألفاً بنسبة 3,3 لكل 10 آلاف من القوى العاملة، وهي تمثل 3 -10% من قيم هذا المؤشر في البلدان المتقدمة، إضافة إلى الكثير من العراقيل التي توضع في وجه البحث العلمي والفكري الحر.

5 – الفساد الإداري والرشوة:

 إن الفساد الإداري والرشوة يؤديان إلى تعيين الأشخاص على أساس القرابة العائلية والعلاقات الشخصية، أو مقابل مبالغ معينة من المال، مما يؤدي إلى تهميش أصحاب الكفاءات العلمية والفنية ومحاربتهم بسبب عدم توافق مؤهلاتهم وعدم تلبيتهم لجميع الإملاءات المفروضة من قبل هؤلاء المديرين الذين يشعرون بأن أصحاب الكفاءات أعداء لهم، هذا ما يؤدي إلى شعور ذوي الكفاءات بالكبت والاشمئزاز وعدم إمكانية التغير مما يقودهم إلى إهمال العمل والمؤسسة وفي النهاية الهجرة.

 6 – الفجوة المعرفية والرقمية والتقنية:

 تفتقر البلدان العربية إلى سياسات التقانة الملائمة التي تعزز تطوير المعاهد والمنظمات الوطنية التي ستكون قادرة على القيام بالخدمات التقنية المرغوب بها، وتلك تشكل قوة دفع وراء هجرة الأدمغة.

 وحتى عندما تستورد التقنية فتكون غريبة عن مجتمعنا، ولا تساعد على تطوير التقنية الخاصة بمجتمعنا، ويلاحظ بأن إدخال التكنولوجيا والمعلوماتية إلى أغلب القطاعات الاقتصادية يكون بمثابة إقحام أو تقليد بما لا تقتضيه العملية الاقتصادية.

 7 – الأسباب السياسية:

 كان لعدم الاستقرار السياسي الذي شهدته سورية ومختلف الدول العربية بعد التحرر من الاستعمار المباشر، وللانقلابات العسكرية المتكررة، وكذلك للحروب المتكررة وللوضع السياسي المضطرب في معظم البلدان العربية، والصراع الدائم مع الامبريالية العالمية والكيان الصهيوني، دور كبير في هجرة أصحاب الكفاءات والعقول.

8 – التقييد المؤسساتي:

 إن الإنسان في المجتمع العربي عاجز عن تحقيق طموحاته والتأثير في الأحداث التي تصنع مصيره، فتسيطر عليه مؤسساته السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وتستخدمه لمصالحها الخاصة بدلاً من أن يعمل على خدمة مواهبه وتنميتها.

وزاد على ذلك كل الأزمة وما نجم عنها من فقدان الأمن والأمان والاستقرار، وعوامل الجذب الغربية في هذه الأثناء والظروف.

ثانياً – عوامل الجذب:

 وهي عبارة عن مجموعة من العوامل التي تتوفر في البلد المستقطِب أو المهاجر إليه مكونة جداراً كبيراً بينه وبين وطنه الأم، ومن هذه العوامل:

1 – المحيط العلمي الأكثر تقدماً الذي يحفز على مواصلة البحث والتجريب وزيادة الخبرة..

2 – اعتماد الترقية والترفيع بالدرجة الأولى على البحث المنتج والكفاءة الفردية، بغضّ النظر عن أية اعتبارات أخرى.

3 – المستوى المعاشي الجيد الذي يحققه الفرد والضمانات الاجتماعية وخدماتها ووسائل الاستهلاك والرفاه المادي وتسهيلاته.

الآثار الناجمة عن هجرة العقول والكفاءات العلمية:

1 – بالنسبة للبلدان المرسلة:

أ – الآثار السلبية:

تمثل هجرة الكفاءات اقتطاعاً من القوى العاملة المتميزة المتوفرة لدى البلاد، والتي تحتاج إليها حاجة ماسة في الجهود التي تبذلها في التنمية بشكل عام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص، وبقدر ما يكون مستوى كفاءة القوى العاملة عالياً ومرتفعاً، تكون الخسائر التي يتكبدها البلد وتأثيرها على التنمية أكبر، فخسارة الكفاءات العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص تؤثر على المجتمعات في الأمور التالية:

– إن خسارة الطاقة البشرية المتخصصة تخفض القدرات الفكرية في البلد المعني، وتشلّ الجهود الوطنية لحل المشكلات الوطنية.

– تفقد البلاد القدرة على تحليل مشاكلها والقدرة على التخطيط بفاعلية.

– تفقد البلاد مورداً خلاقاً وحيوياً وأساسياً لتطورها.

– تفقد الموارد البشرية في البلد المعني إمكانات كبيرة كانت قادرة على تأهيل هذه القوى البشرية وتدريبها وخلق تنمية مستدامة للموارد البشرية. وتتزايد فداحة التكاليف الناشئة عن هجرة الكفاءات عندما تحدث الهجرة بين فئات القوى العاملة الأفضل تدريباً وإعداداً والذين استطاعوا بفضل أقدميتهم في العمل أن يكسبوا خبرة مهنية واسعة، خصوصاً عندما تقترن بمستوى عال من الإعداد والتدريب المهني. وبالفعل إن الخبرة تشكل عنصراً هاماً في إغناء مواصفات القوى العاملة شأنها شأن التعليم والتدريب المهني، وهي تشكل عنصراً أساسياً في المجال الواسع للمعرفة والخبرة الجماعية، التي من دونها تتعرض كل محاولات التنمية للفشل. إن الهجرة ظاهرة خطيرة بشكل عام، وهجرة الكفاءات بشكل خاص تعتبر خطراً على التطور الاقتصادي والاجتماعي، وتكمن الخطورة في العجز الحاصل في الكوادر اللازمة لرفع وتيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهذا يدلنا على أن هذه الهجرة قد قللت من مؤشرات التنمية الاجتماعية، في وقت عانت فيه مؤسساتنا العامة الاقتصادية والخدمية من الفساد والهدر وسوء الإدارة والاستثمار، ونقص بالكوادر المدربة والمؤهلة، الأمر الذي انعكس سلباً على الإنتاج والإنتاجية، وبالتالي أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لانخفاض معدل النمو الاقتصادي، وقد أثرت هجرة هذه الكفاءات في الوضع الحالي الذي وصلت إليه هذه المؤسسات.

يمكن أن نختصر النتائج من الناحية النتائج التعليمية والثقافية بما يلي:

– تناقص قدرة البلد في إعداد المؤهلين اللازمين لعملية التنمية، ذلك أن هجرة الكفاءات تحرم الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتأهيلية من الأجهزة والكوادر التي يكون بإمكانها تطوير التعليم وتأهيل الكوادر القادرة على دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل توفر ظروف مناسبة.

– انخفاض المستويات التعليمية في البلد نتيجة تناقص معظم العناصر المؤهلة من أعضاء الهيئة التدريسية بالنسبة لعدد الطلاب في الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية، مما يؤدي إلى تخرج دفعات ذات كفاءة محدودة.

– الخسائر المالية والمادية التي صرفت على الفرد المهاجر حتى وصل إلى هذه المرحلة من العلم والكفاءة والمهارة، سواء المصاريف التي قدمها أهله وأسرته أو المجتمع بما ينفقه من خدمات تعليمية وصحية وبنى تحتية. وفي دراسة للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية بينت أن تكلفة إعداد الشخص الواحد تكون كما يلي:

اختصاص أربع سنوات 34888 دولاراً.

اختصاص علمي خمس سنوات 44979 دولاراً.

اختصاص علمي ست سنوات 46284 دولار.

 ووجدت الدراسة أن الكلفة الإجمالية للعالم المهاجر والحاصل على الإجازة أو على الدكتوراه وما يعادلها (تتضمن هذه الكلفة المراحل السابقة حتى نيله الدكتوراه مضافاً إليها خسارة الإنتاجية خلال وجوده في بلاد الاغتراب) كما يلي: الطب 305480 دولاراً، الصيدلة وطب الأسنان والهندسات بمختلف أنواعها 116979 دولاراً، علوم بمختلف فروعها (115124) دولاراً، الاختصاصات النظرية (106888) دولار.

– انخفاض الخدمات الاجتماعية وخاصة الصحية والتعليمية وخدمات التأهيل والتدريب بما ينعكس سلباً على تنشئة الموارد البشرية وإعدادها، وذلك بسبب أن معظم المهاجرين هم من الكفاءات ذات السوية الجيدة في هذه الاختصاصات.

– انخفاض الإنتاجية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما يؤثر سلباً على استمرارية عملية التنمية.

 ب – الآثار الإيجابية:

 يمكن عن طريق الاحتكاك المتواصل الاستفادة من خبرات هذه الكفاءات والاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم والتقنية في مختلف المجالات، وأخذ ما يناسب بلادنا، ويؤدي إلى استمرار عملية التنمية وتقدمها.

– يمكن الاستفادة من خبرات هؤلاء المهاجرين لتأهيل الكوادر المحلية.

العدد 1140 - 22/01/2025