وظيفة البحث الأدبي

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

ترتبط وظيفة البحث الأدبيِّ بوظيفة الأدب، فيقوم الأدب بوظيفتين: تحقيق الفائدة، والوصول إلى المتعة، ويقيم توازناً بين هاتين الوظيفتين. وقد أشار الناقد قسطاكي الحمصي (1858-1941) في كتابه الشهير (منهل الورّاد في علم الانتقاد) إلى وظيفة البحث الأدبيِّ فوجد أنَّها تتلخص فيما يلي:

1- إلقاء الضوء على المرحلة التاريخية التي عاش فيها الأديب. فقد يقودنا الحديث عن أبي الطيب المتنبي

(916-966م) إلى الحديث عن سابقيه من الشعراء، وعن المكافآت المالية التي كانوا يتقاضونها لقاء قصائدهم، ومكانتهم الرفيعة لدى الخلفاء والحكام. فكان الشاعر نديم الخليفة. ومعرفة حالة العصر الأدبيِّة ضرورية لكي نعرف هل أتى الشاعر بجديد أم أنَّه كان مقلداً لسابقيه؟

وتختلف وظيفة الباحث الأدبيِّ عن وظيفة الأديب، لأنَّ الأديب يستقي مادة إبداعه من الواقع المحيط به، أو من التاريخ، في حين أنَّ الناقد يتعامل مع النص الذي تركه له الأديب (1). مثلاً مدح أبو الطيب المتنبي أمير حلب سيف الدولة الحمداني لتصديه للروم، نذكر بعض أبيات قصيدة المتنبي المعروفة التي يبدؤها بالحكمة:

على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ

وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وتَعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها

وتصغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

أتوكَ يجرونَ الحديدَ كأنّهمْ

سروا بجيادٍ ما لهنَّ قوائمُ

وقفتَ وما في الموتِ شكٌ لواقف

كأنَّكَ في جفنِ الردَّى وهوَ نائمُ

تمرُ بكَ الأبطالُ كلمى هزيمةً

ووجهُكَ وضاحٌ وثغركَ باسمُ (2)

لقد قام الأديب هنا بوظيفته  وهي تخليد معركة خاضها سيف الدولة الحمدانيّ أمير حلب، وانتصر فيها، وأشاد المتنبي بهذه المعركة وبقائدها، بشعر جميل. ولولا أبيات المتنبي لما بقيت هذه الصورةُ الناصعة لأمير حلب في أذهاننا إلى هذا اليوم، وستبقى في أذهان القراء الذين سيأتون بعدنا.

استمد المتنبي مادته من الواقع ومن التاريخ، فصور أمير حلب، وصوّر مرحلةً تاريخية بكاملها، إذ كان الصراع قائماً بين العرب والروم في القرن العاشر الميلادي، القرن الذي عاش فيه المتنبي.

تأتي بعد ذلك وظيفة البحث الأدبيِّ، فقام عبد الرحمن البرقوقي بشرح الأبيات مشيراً إلى تاريخها ومناسبتها وعلاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني، ويرى صدقه في مدحه. وقد درس المتنبي باحثون كثيرون، مثل الدكتور طه حسين (1889-1973) أي قام عبد الرحمن البرقوقي بالشرح والتفسير والتأويل، وهذه إحدى وظائف النقد الأدبيِّ.

2 – البحث الأدبيّ ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما هو وسيلة للوصول إلى هدف معين، وهو تذوق النص وفهمه وإدراكه والاستمتاع به، ويسعى البحث الأدبيّ إلى تحديد جماليات النص الأدبيِّ، ولعل من أهم صفات النص الجيد هو الانسجام بين العناصر المكونة له، ولا سيما الانسجام بين المضمون والشكل، فلا يطغى أحدهما على الآخر. فلن يكون النص الأدبيّ نصاً فكرياً خالصاً، ولا يجوز أن يكون تجمعاً لعبارات جميلة ولكنها فارغة.

وقد انتقد المازني (1890-1949) في كتابه (الديوان) الذي أصدره مع عباس محمود العقاد(1889-1964) عام ،1921 مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924) لأنَّه ممن يغلِّبون الاهتمام باللفظ على الاهتمام بالمعنى، لأنَّ اللفظ هو الغطاء الخارجي أو الرداء، أو الوعاء، والمضمون أهم منه بكثير برأي المازني. وينتقد المازني أسلوب المنفلوطي، لا بل يتجاوز ذلك ويحلل أخلاقه وشخصيته، فيرى أنَّ عواطفه مصطنعة، وأدبه أدب ضعف لا أدب قوة، متكلف يخلو من العاطفة الصادقة والإحساس السليم.

وينتقد عباس محمود العقاد (1889-1964) أمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932) لأنَّ شوقي يتناول المسائل الجارية، ولأنه يقلد القدماء ويسطو على معانيهم ويقصر عنهم. فأهم موضوعاته هي الرثاء والمدح، ويرى العقاد أنَّ شوقي قلد المتنبي (916-966م) والمعري (973-1057م) ويتهم العقاد الشاعر شوقي بسطحية الخيال وضحالته. وأهم مأخذ للعقاد على شوقي عدم توفر الوحدة العضوية في قصائده. وبذلك لم يكن النقد عند المازني أو عند العقاد هدفاً بحد ذاته، وإنما كان وسيلة لتقويم أعمال المنفلوطي  (1876-1924)، ولتقويم قصائد أحمد شوقي، لأنَّ في ذلك فائدةً للأدب العربيِّ وللقارئ وللمؤلف المبدع ذاته، فهنا يقوم الناقد بدور المنبه، الذي يهدي المبدع إلى تغيير أسلوب إبداعه، لأنَّه لا يتناسب مع العصر. وبهذا فإنَّ الباحث صاحب رسالة، لا تقل أحياناً عن رسالة المبدع ذاته. والناقد الأصيل خير من المبدع الضعيف. لأنَّه يقوم بدور المحرض على أسلوب إبداع جديد، لم يكن المبدع قد تنبه إليه.ورسالة البحث الأدبيِّ ووظيفته تشبه إلى حد ما رسالة الأدب نفسه في نقطة معينة، وهي أنَّ وظيفة الأدب وظيفة متغيرة، تتغير من مرحلة تاريخية إلى أخرى. فوظيفة الأدب العربيِّ في العصر الجاهليِّ تختلف عن وظيفة الأدب العربيِّ في عصر صدر الإسلام، وكذلك تختلف وظيفته في العصر الأمويِّ أو العباسي.وكذلك وظيفة البحث الأدبيِّ تتغير من عصر إلى آخر. ومن مدرسة أدبية إلى أخرى، فمثلاً ترى المدرسة الكلاسيكية أنَّ معايير البحث الأدبيّ ثابتةٌ، لا تتغير، وهي المعايير التي وضعها أرسطو (384-322ق.م.) في كتابه (فن الشعر)، في حين ترى المدرسة الرومانسية أنَّ معايير البحث الأدبيِّ تتغير من عصر إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، ومن باحث إلى آخر، لأنَّ أذواق الناس والنقاد مختلفة، تختلف من زمن إلى آخر. ومن بلد إلى آخر. فليس بالضرورة أنَّ ما يراه الإغريقيّ جميلاً، يكون جميلاً بنظر العربيِّ أو الفرنسيِّ أو الروسيِّ. وليس بالضرورة أنَّ ماكان يراه النقاد جميلاً منذ مئتي عام، أن نراه اليوم جميلاً أيضاً. ولعلنا لا نخطئ إذا قسمنا النقاد إلى فريقين كبيرين، وقسمنا كلاً من هذين الفريقين إلى مجموعة من الاتجاهات، وذلك لأنَّ الأدباء أنفسهم ينقسمون أيضاً إلى هذين الفريقين: يرى الفريق الأول أنَّ الفن لا يخدم إلا نفسه، ورفعوا شعار الأدب للأدب أو الفن للفن، ومن ثم اهتموا بالشكل أكثر من الاهتمام بالمضمون، في أثناء نقدهم للنص. ونادى الفريق الثاني بالالتزام بقضايا المجتمع الوطنية والقومية والطبقية، وبالتالي فقد اهتم أنصار هذا الاتجاه بالمضمون أكثر من الشكل. من بين هؤلاء أنصار المدرسة الواقعية الاشتراكية، وأنصار المدرسة الوجودية. علماً بأنَّ هناك خلافات كبيرةً بين مفهوم هاتين المدرستين للالتزام.

وبذلك فإنَّ البحث الأدبيّ مسؤولية كبيرة، والنقد مسؤول إلى حدٍّ ما عن حركة الأدب ومن ثم هو مسؤول عن المجتمع والتاريخ إلى حد ما. فهو يوضح معالم تطور الأدب في الأزمنة الثلاثة، في الماضي والحاضر والمستقبل. ويشير إلى نقاط قد لا يتنبه إليها المبدع ذاته، وهذا حق من حقوق الناقد، لا بل واجب من واجباته.

 

المصادر:

1 – ميخائيل نعيمة، المجموعة الكاملة المجلد الثالث، الغربال، مقاييس الأدب، ص 389.

 2 – شرح ديوان المتنبي، وضعه عبد الرحمن البرقوقي، بيروت، دار الكتاب اللبنانيِّ،

العدد 1140 - 22/01/2025