الصحة والتأمين الصحي في سورية

الخدمات الصحية ليست رفاهاً ولا هبة إنما هي حاجة إنسانية وحق من حقوق كل إنسان، ولا يظن أحد أن الخدمات الصحية هي تكلفة فقط بل إن عائداتها تفوق تكاليفها من نواحي الوقاية قبل استفحال الوباءات، أو من ناحية إعداد الموارد البشرية القوية المفعمة بالنشاط والحيوية، مما ينعكس على إنتاجيتها وبالتالي انعكاس مردودها على النواحي الاجتماعية كافة، ولم تخطأ المسؤولة الأممية عندما صنفت سورية من أهم دول الشرق الأوسط بالنظام الصحي الذي وصل لمؤشرات متميزة، إضافة لما تتميز به سورية من مزايا قلما وجدت بدول المنطقة، مثل الصرف الصحي الذي يغطي أغلب المناطق ومياه الشرب المعالجة، واستطاعت أن تقضي على الكثير من الأمراض والأوبئة كالشلل والسل وغيرها، ووصلت حملات التلقيح لحوالي 90% فالكوادر السورية برعت بالوقاية والعلاج،ولم يكن ذلك وليد صدفة إنما بتكامل مميز بين إقامة البنى تأهيل الكوادر، فالبنى التحتية الصحية السورية كانت مميزة ومنتشرة بكل المدن والأرياف، وبأغلب الاختصاصات، وبمؤشرات مميزة وكوادر متوفرة، حيث أثرت الخدمات الصحية في بلدنا وفي البلدان العربية وحتى الغربية كأمريكا وفرنسا وألمانيا، ففي ألمانيا فقط 18000 طبيب سوري وفي فرنسا ما يفوق الـ ،4000 وما زالت هذه الدول تستغل الأزمة كي تسلب المزيد من الكفاءات السورية وخاصة الطبية، وأصبح هناك قدرة كاملة للسيطرة على أغلب الأمراض مع توفر أحدث الأجهزة ولو أنه يعاب تميز محافظات بهذه الخدمات وافتقادها بأخرى، وقد كانت الخدمات التي يقدمها القطاع العام مع المزايا التي تمنحها النقابات والجمعيات بمثابة تأمين صحي لأفراد الشعب كافة وهو ما أعطى أماناً وثقة بالقطاع العام الصحي وانعكس على الطاقة البشرية وزاد من العمر المتوقع، ولكن عقلية إقحام القطاع الخاص وعقلية النهب والفساد لم تترك القطاع العام دون العبث والتخريب وممارسة مختلف الأساليب السالبة لجودته والمخربة لأدواته، فكم من حادثة فساد اكتشفت بحجم مليارات الليرات،  كمشفى البيروني للأمراض السرطانية وملف صحة اللاذقية، ولو استمر التحقيق لوصلنا لأرقام مرعبة، وهنا السؤال، على الرغم من عدم كبر الموازنة وقلة ما يصرف بشكل حقيقي أثمرت عن خدمات نوعية وكمية، فكيف لو استثمرت هذه الأموال بشكل كامل وحقيقي وفاعل وكم من طبيب وممرض وممرضة أصبحوا سماسرة للقطاع الخاص عن طريق تعطيل الخدمات والأدوات أو الامتناع عن إعطاء الخدمات أو التخريب والتعطيل العلني للأدوات التي كلفت ملايين الليرات أو عن طريق الإدخالات الوهمية، أو سرقة الأدوية والأدوات وإعادة بيعها للقطاع  ذاته أو اللعب بالنوعية أو الكمية، صحيح أن إضافة طاقات إضافية تزيد من حجم الخدمات وتعطي فرص لمن لا يريد خدمات القطاع العام مطلب واستثمار مفيد ويوفر على خزينة الدولة، ولكن ليس بهكذا أساليب إقحامية أو تخريبية وليس على حساب المواطن الفقير وحاجته وإمكانية العام لتلبية حقه وواجب الحكومة اتجاهه، فقانون التفرغ لم تستطع أن تتخذه الحكومات المتلاحقة إلا بجزء بسيط لم ينعكس على الخدمة ولا على زيادة الولاء للقطاع العام بل على العكس أصبح هناك عقلية أسلوب الصدمة لتحويل المشافي لهيئات وخدمات مأجورة، وذلك كنوع من الدعاية للخاص بحجة تحسين الوضع المعاشي للكوادر الطبية والتي نحن ممن ينادون بها بأسلوب التفرغ الكامل، ولكن مع زيادة جودة الخدمات الصحية، ومراعاة الحالة المادية للسكان، والمراقبة التامة للخدمات وخاصة للقطاع الخاص، الذي لا يتقيد بأي تعليمات أو أسعار مع تغاضي أعين المراقبة من الوزارة وتعامي النقابات، ومع تغاضي مشافي الخاص عن العشر الصحي الذي يراعي ظروف السكان في حالة الإسعاف أو الاضطرار، فكم من إسعاف اضطراري لمشافي الخاص نجم عنه فواتير بمئات آلاف الليرات، هذا وقد نجم عن الأزمة الكثير من الأمراض المنتفية بسبب عدم قدرة المؤسسات من متابعة عملها، وبسبب تلوث البيئة وكذلك بسبب دخول الغرباء لأراضي سورية، وبذلك تقلصت أغلب المؤشرات كالعمر المتوقع نتيجة الوفيات الكثيرة، وكذلك حجم الضغط على المؤسسات الصحية نتيجة النزوح وكثرة الإصابات بحيث هناك حوالي مليون مصاب ما بين جريح ومعاق، وقد ترافق إقحام الخاص قبل الأزمة  بهكذا أساليب وأدوات، كذلك طمع بعض الشركات الخاصة للتأمين الصحي بالدخول لسوق الخدمات الصحية بحجة التكافل والتعاون لتأمين الخدمات الصحية مع تحقيق بعض الربحية، ولكن الذي حدث هو السعي للربح بأي أسلوب ولو حتى بالامتناع عن الخدمة المقبوض سلفاً جزءاً من تكاليفها بعقود تأمينية لم يستطع أحد فرض تنفيذها، ومع أن فكرة التأمين ليست جديدة، فقد بدأت فكرة التأمين في سورية رسمياً عند صدور القانون رقم /1/ لعام ،1979 إنما لم يطبق القانون لتاريخ اليوم للأسباب التالية:

– عدم توفر البنية التحتية في ذلك الوقت.

– توجه القانون للعاملين في الدولة فقط دون شموله جميع المواطنين.

– عدم الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.

ب- خلال الفترة 2000-2005 أوفد مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة مع فريق عمل للعديد من دول العالم ( جنيف – جنوب أفريقيا – ألمانيا – اليونان – الأردن – لبنان – مصر…الخ ) للتدرب على مفهوم التمويل الصحي والاطلاع على تجارب التأمين الصحي في دول العالم، وشكلت لجنة مركزية في وزارة الصحة لإعداد مشروع قانون للضمان الصحي وتعليماته التنفيذية، وعلى التوازي زار سورية عدة خبراء من البنك الدولي، (منظمة الصحة العالمية)، إيطاليا، الاتحاد الأوربي للمساعدة في صياغة المشروع، وقدم مدير التخطيط في تشرين الثاني 2005 عرضاً مختصراً أمام جلسة خاصة لمجلس الوزراء حول التجارب العالمية وآلية تنفيذ الضمان الصحي في سورية، إنما توقف العمل بعد ذلك بسبب التنازع بين وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على تبعية هيئة الضمان الصحي.

ج- على التوازي أحدثت هيئة الإشراف على التأمين بموجب المرسوم /68/ لعام 2004 بهدف تنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه، وتلاه المرسوم التشريعي /43/ لعام 2005 الناظم لأعمال التأمين الخاص في سورية،  بناء عليه تمارس /12/ شركة تأمين خاصة أعمالها حالياً في سورية في المجال الصحي، إنما التأمين الصحي الخاص وحسب تجارب الدول العربية والأجنبية لا يغطي بأحسن الأحوال أكثر من 5 % من المواطنين ( مصر يغطي 3% بعد تطبيقه منذ ستين عاماً).

د- أصدرت القيادة القطرية للحزب قراراً في أيار 2008 بإحداث شركة للتأمين الصحي هدفها المبدئي التوجه لتغطية نحو 600 ألف موظف من العاملين في الدولة.

2- المشاكل:

1- تشتت الأنظمة التأمينية في سورية وغياب الرؤية الشمولية بسبب قانون لم ينفذ، دخول شركات التأمين الخاصة، وجود أشكال مختلفة من نماذج الضمان الصحي المقدمة للعاملين في الدولة ( يوجد دراسة حول ذلك ).

2- صعوبة استمرار الحكومة في زيادة موازنة القطاع الصحي بشكل عشوائي، وقد بدأت العام الماضي تزداد كمية الديون على مؤسسات القطاع العام، ( ازدادت موازنة وزارة الصحة من 8,9 مليار عام 2000 إلى 33 مليار عام 2009 ).

3- ضعف مستوى الثقافة التأمينية لدى المواطن السوري.

4- ضعف دخل المواطن السوري.

5- ضعف مؤهلات الكادر الوطني في مجال التأمين الصحي.

6  – ضعف المراقبة والمتابعة لجودة الخدمة  وحتى لأحقية الخدمة فكثير من الحالات امتنع الأطباء والصيادلة المتعاقدين عن القيام بخدمةالمؤمن عليهم وذلك بحجة عدم صرف مستحقاتهم وكذلك ابتعاد الأطباء ذوي الكفاءة وذوي الخبرة عن التعاقد.

7 _ التهرب من التأمين على المتعاقدين أو الأمراض المستعصية أو العمليات المعقدة.

وأمام هذا الواقع لابد من اتخاذ بعض الاجراءات التي تكون قادرة على استفادة كل الأطراف من التأمين الصحي وخدماته وذلك:

1- إصدار قانون شامل للضمان الصحي في سورية، يهدف لتغطية جميع مواطنين سورية، إنما يطبق بشكل تدريجي، وعلى محافظة معنية، يساهم بشكل أساسي في ترشيد استخدام الموارد المتاحة وتوجيهها لمستحقيها وتطوير جودة الخدمات الصحية، مما يوقف نزيف موازنة الدولة، يوفر هذا القانون الحل لمشكلة التشتت الحالي في أنظمة التأمين الصحي لدى القطاع العام، وتقديم رؤية لموضوع المجانية في العلاج في مؤسسات الدولة.

2- تنفيذ البرنامج التنفيذي المقترح من قبل خبير الضمان الصحي في الاتحاد الأوربي، لتطبيق الضمان الصحي على مدى عشر سنوات، والفئة التي سيغطيها.

3- يتابع القطاع الخاص عمله وفق ما صدر من قوانين وتعليمات، ضمن إطار توجه شمولي للضمان الصحي في سورية،  مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سيبقى يغطي فئة محدودة من المواطنين.

لا بد من العمل على تحسين جودة الخدمات ومتابعة جودة تأديتها عن طريق مديرية للجودة في كل مديرية صحة ومكتب للجودة مرتبط بها في كل مشفى عام أو خاص، وأن تكون مكاتب فاعلة وليست شكلية، ويستطيع المواطن أن يتقدم بالشكوى جراء أي تقصير أو سوء خدمة أو تقاعس، وكذلك لابد من ضبط الخدمات في القطاع الخاص من جهة الأسعار وفرض العشر الصحي والعمل بجدية لقانون تفرغ منصف ومحسن للخدمة، وكذلك لا بد من المنافسة للقطاع العام في مجال التأمين الصحي بأسلوب فعال وليس كبقرة حلوب من السهولة الاستفادة منها من دون حق.

العدد 1140 - 22/01/2025