الجيش التركي يخرق سيادة الأراضي السورية.. صمود سورية يخلق مناخاً دولياً معادياً للإرهاب.. التحرك الروسي والاتفاق النووي يفتحان آفاقاً إيجابية لنجاح المساعي السلمية

سواء كان الدافع سياسياً داخلياً، أم كان خارجياً لتلميع صورته أمام المجتمع الدولي، فإن دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية يعد انتهاكاً لسيادة سورية، يستوجب التنديد والاستنكار أيضاً، واتخاذ المواقف المناسبة.. فإذا أراد أردوغان التناغم مع التحرك الروسي الهادف إلى تكوين تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب التكفيري، فالأولى به إعلان انضمامه دون مواربة إلى هذا التحالف، لا اختراق حرمة الأرض السورية. وسبق لتركيا أردوغان أن حاولت الحصول على موافقة المجتمع الدولي والولايات المتحدة، بشكل خاص، على فرض منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، لكن الموقف الأمريكي ومواقف دول أخرى لم تبارك هذا الاقتراح في حينه.

التحرك الروسي السابق واللاحق لإعلان اقتراح الرئيس بوتين الذي ترافق مع إعلانه الوقوف إلى جانب سورية في مواجهتها للغزو الإرهابي، وضرورة متابعة  الجهود السلمية لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية، هذا التحرك لاقى تفهماً لدى المجتمع الدولي الذي يتخوف أكثر فأكثر من توسع الإرهاب الداعشي إقليمياً ودولياً، مما سيؤدي – حسب اعتقادنا- إلى إعادة النظر بالمواقف الأحادية الجانب التي ماتزال تحكم سلوك العديد من الدول تجاه الأزمة السورية.

وربما تحمل زيارة ملك السعودية إلى موسكو قريباً مزيداً من التفعيل لخطة التحرك الروسي.

وبالطبع فإن أي تحول دولي لتفعيل مكافحة الإرهاب، ما كان ليحدث ويعطي ثماره السياسية والعسكرية لولا الصمود البطولي للشعب السوري وجيشه الوطني اللذين مازالا يتصديان في كل يوم لمحاولات الإرهابيين كسب النقاط والمواقف لإحباط أي جهد دولي سلمي.

وجاء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 ليضيف زخماً إلى المساعي السلمية. إن إنجاز هذا الاتفاق وانعكاساته السياسية والعسكرية والاقتصادية على إيران والمنطقة، فتح الآفاق لتفاؤل مشروع بحل الأزمات المستعصية الأخرى التي تزيد أو تقل عن صعوبة الملف النووي الإيراني.

لقد أثبت هذا الاتفاق أن المسائل الصعبة يمكن حلها بالاستناد إلى الحوار والحكمة والتعقل، إذا ما توفرت الإرادة الجدية في حل هذه المسائل.. وإذا ما أخذت مصالح الشعوب بالحسبان ولجم دعاة التصعيد والحروب بالحسبان.

إن وقف العقوبات ضد إيران، وعودتها إلى المساهمة في النشاط السياسي والاقتصادي العالمي بوصفها قوة إقليمية قادرة، يخدم دون شك السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، ويتيح لها أكثر فأكثر المساهمة الفاعلة في حل النزاعات، وخاصة في المسألة السورية.. وهذا ما تطلبه الدول الأوربية اليوم من إيران بعد جهود هذه الدول خلال سنوات الأزمة السورية ومحاولاتها إبعاد إيران عن أي جهد دولي سلمي يتعلق بالأزمة السورية، وربما تعبر محادثة هولاند مع الرئيس روحاني التي ذهبت في هذا الاتجاه عن موقف أوربي موحد من ضرورة إشراك إيران ما بعد الاتفاق النووي في جميع الجهود الدولية التي تصب في حل النزاعات الإقليمية، ومنها بطبيعة الحال الأزمة السورية.

الموقف الأمريكي من الجهود السلمية من حيث المبدأ لم يكن ممانعاً للتحرك السلمي الروسي، لكننا، كما خبرنا سابقاً مواقف الأمريكيين، ندرك أنها لا تتسم بالصدق والصراحة، فهي مواربة دائماً، وإلا فكيف نفسر اتفاق أوباما وأردوغان في حديثهما الهاتفي منذ أيام على العمل معاً لوقف تسلل الإرهابيين إلى الأراضي السورية، ثم نفاجأ بدخول الجيش التركي بعد يومين إلى تلك الأراضي خارقاً كل المواثيق والمعاهدات الدولية؟! هل تم الاعتداء التركي بموافقة أمريكية لقاء دخول أردوغان ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة؟

صحيح أن الأمريكيين يصدرون التصريحات الرسمية التي يُشتمّ منها ضرورة تأييد التحرك الروسي لمكافحة الإرهاب، لكن أقوال الأمريكيين في كثير من الأحيان تناقض تماماً أفعالهم.

المواقف الرسمية السورية باركت الجهد الروسي، والاتفاق النووي الإيراني الغربي، وأكدت على لسان الوزير وليد المعلم استمرارها في الجهود السلمية لحل الأزمة السورية، مع تأكيدها أن هذا الحل يجب أن يكون حلاً سورياً، بتوافق سوري سوري ودون تدخل خارجي، ويأخذ بالحسبان أولية مكافحة الإرهاب.

نعود هنا لتأكيد خطورة التوغل العسكري التركي داخل الأراضي السورية الذي قوبل برد سوري رافض ومندد، وضرورة بذل الجهود السياسية وغيرها لتوجيه أنظار المجتمع الدولي إلى ما تحمله هذه الخطوة اللامسؤولة من إمكانية التصعيد العسكري في سورية والمنطقة بأسرها، وتناقضها مع الجهود السلمية الدولية.

السوريون يسمعون ويشاهدون مجريات التحرك الروسي والاتفاق النووي وانعكاساتهما، وهم يتعرضون يومياً، وخاصة في مناطق التماس مع الإرهابيين، لقذائف الغزاة التكفيريين وصواريخهم، ويتساءلون: هل من تفاؤل ما في وقف نزيف الدم السوري؟ هل ستثمر الجهود الدولية في مكافحة الداعشيين وحلفائهم؟ هل ستنجح المساعي السلمية لحل أزمة السوريين بعد 4 سنوات ونيف من القتل والتدمير والحرق والخطف والاعتقال؟!

التفاؤل مشروع، والحذر مبرّر أيضاً.

العدد 1140 - 22/01/2025