انهيار أسعار الذهب الأسود وتداعياته..!

شهدت أسواق النفط العالمية هبوطاً مطرداً في الأسعار منذ حزيران 2014 حين كان سعر خام برنت في حدود 110 دولارات للبرميل، وانخفض في بداية 2015 إلى ما دون خمسين دولاراً، ووصل في آب الماضي إلى حدود 40 دولاراً للبرميل مسجلاً أدنى مستوى له في ست سنوات، في الوقت الذي تعالت التحذيرات من توقعات لهبوط الأسعار لما دون 40 دولاراً للبرميل، إذ انعكس هبوط النفط سلباً على اقتصاديات دول البترول القائمة على الصادرات النفطية والغاز مثل روسيا وفنزويلا والسعودية وغيرها، إذ إن هذه الدول وضعت موازناتها بناء لسعر البترول أعلى بقليل أو كثير من السعر الذي وصل إليه الخام مؤخراً وهو 40 دولاراً، فيما شكل ذلك ميزة بالنسبة للدول المستوردة للنفط مثل الصين.

ويُعزى هبوط أسعار النفط إلى وفرة المعروض الخام وقلة الطلب في أسواق النفط والذي جاء كنتيجة لقرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عن رفض خفض سقف إنتاجها لدفع الأسعار إلى الارتفاع، وذلك في إطار حرب حصص السوق بين أوبك ومنتجي النفط الصخري، لا سيما في الولايات المتحدة، لكن بعض المحللين يشكك في هذا الأمر ويربطه بعوامل سياسية، محذرين من أنَّ حالة عدم الاستقرار المالي والاقتصادي قد تتوسّع إلى حالة الاضطراب الجيوسياسي أيضاً، وقد دفعت هذه الأوضاع صحيفة الFinancial Times   البريطانية أن تقول بشكلٍ مباشر: (إنّ معركة أسعار النفط سوف تحدد مستقبل الشرق الأوسط).

أيضاً ساهمت أسباب أخرى في تراجع أسعار النفط مؤخراً منها تراجع الاقتصاد الأوربي الذي أصبح يستورد كميات أقل من النفط، وتباطؤ النمو في الصين والبرازيل، إلا أنه في المقابل واجهت بكين عاصفة أسفرت عن تراجع صادرات الصين بنسبة 3.1%، وهو أول هبوط منذ كانون الثاني 2012 وذلك نتيجة سماح الصين لعملتها اليوان بمواصلة الانخفاض، وصدور بيانات دون المتوقع عن الناتج الصناعي الصيني، وهو ما يثير شكوكاً بشأن تراجع الطلب على الخام من ثاني أكبر مستهلك له في العالم، حيث يقلص انخفاض اليوان القوة الشرائية الصينية للواردات المقومة بالدولار مثل النفط، وذلك على الرغم من التعافي القوي للاقتصاد الأمريكي (أكبر اقتصادات العالم، الذي استفاد كثيراً من هبوط سعر الخام الذي قلّص فاتورة الطاقة على المستهلكين الأمريكيين، مما دعم إنفاقهم الذي يعد المحرك الأول للاقتصاد الأمريكي.

وفي الفترة الأخيرة امتزج انخفاض أسعار النفط مع هبوط الغالبية العظمى من البورصات العالمية، متأثرة بصورة خاصة بما يحدث من انخفاض في بورصة الصين، إذ خسرت هذه الأسواق آلاف المليارات من الدولارات من قيمتها في بضعة أيام فقط مما قد يجعل امتدادها إلى بقية القطاعات الاقتصادية وخاصة قطاع السكن والأملاك أمراً ممكناً، وقد أضعفت أزمة البورصات العالمية ثقة المستثمرين بقوة الاقتصاد العالمي، وأدت إلى بيع هائل للأسهم ولم يعد مهماً إذا كان ذلك بسبب انخفاض بورصة الصين وتخفيض عملتها، أو بسبب قرب زيادة أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وقوة الدولار تجاه العملات الأخرى.

بالتزامن مع ذلك جاءت التنبؤات بعودة النفط الإيراني إلى الأسواق بعد إبرام الاتفاق النووي، إذ تخطط إيران العضو في أوبك لزيادة إنتاجها من النفط الخام فور رفع العقوبات الغربية عنها بمقدار 500 ألف برميل يومياً وبواقع مليون برميل في غضون شهور.

كما تأثرت أسعار النفط أيضاً بتقديرات جديدة نشرتها أوبك تقول إنه من المرجح أن يواصل المنتجون خارج المنظمة ضخ كميات كبيرة رغم تدني الأسعار، وأعلنت أوبك مؤخراً عن مواصلة الدول الأعضاء فيها زيادة إمدادات النفط للأسواق، وذكر تقرير للمنظمة أن الأخيرة أنتجت 31.51 مليون برميل يومياً في تموز الماضي، وهو ما يزيد كثيراً عن سقف الإنتاج الذي حددته المنظمة عند سقف إنتاجها عند ثلاثين مليون. بدورها تريد روسيا الإبقاء على إنتاجها عند مستويات مرتفعة للدفاع عن حصتها في السوق، وإذا خفضت الإنتاج فربما تفقد على الأمد القصير على الأقل إيرادات تعتمد عليها كثيراً في موازنتها.

وفي سياق متصل توقع تقرير صندوق النقد الدولي أن تشهد الدول المتقدمة نمواً ملحوظاً في اقتصادها إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض، فتوقع التقرير أن يتجاوز النمو في أمريكا 3.1% خلال عامي 2015 و2016 بدعم من انخفاض أسعار النفط، في حين توقع انخفاض معدل النمو للمملكة العربية للسعودية إلى 3% في 2015 و2.7% في 2016 مقابل 3.6% في 2014 أما التراجع الأكبر، فكان للاقتصاد الروسي الذي يتوقع أن ينكمش إلى 3.8 % في 2015 و1.1 % في 2016 في حين بقيت التوقعات الخاصة بالصين على حالها مقارنة بـ 6.8% في 2015 و6.3% في 2016 ووحدها الهند ستسجل نمواً كبيراً، يقدر بـ 7.5 % عامي 2015 و2016.

وبحسب الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة فإن الطلب العالمي على النفط سيرتفع من 92 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي إلى 93.3 مليون برميل يومياً في العام 2016 وبنسبة ارتفاع متوقع 1.4%، فيما يتوقع أن تحافظ منظمة أوبك على مكانتها وحصصها الحالية عند 40% في تلبية الطلب العالمي.

وبالنسبة لسورية فقد أدت الأزمة الراهنة إلى تراجع الإنتاج النفطي إلى 14 ألف برميل يومياً فبتنا نستورد كامل حاجتنا من المشتقات النفطية، وكنا من المستفيدين من انخفاض أسعار النفط وانخفضت  تكاليف استيراده، ولكن أسعاره في الأسواق الداخلية مستمرة بالارتفاع، وهنا نتوجه للحكومة بالسؤال: لماذا ترتفع أسعار المحروقات، ونثقل كاهل المواطن برفعها.. على الرغم من انخفاض أسعارها عالمياً؟!

العدد 1140 - 22/01/2025