الحريّة.. من قيّدها؟!

 في البداية سنتوجه إلى تحديد المفهوم العام للحرية، الذي شهد تناقضاً كبيراً حول معناه الصحيح، فالحرية بتعدد أشكالها هي الإمكانية في اتخاذ القرار وتحديد الخيار دون أي جبر أو ضغط، وكسر القيود المادية والمعنوية المُكبِّلة للطاقة الإنسانية، فهي نقيض الفرض والإكراه، ورديف التعبير عن الرأي.

ويمكننا القول إن جميع المفاهيم عرضة لأن تكون سلبية إذا لم يتم تفسيرها بمنطقية وعقلانية.

وأكثر ما يعيق ويناقض مفهوم الحرية هو المعرفة المحدودة والمقتصرة على أمور أصبح انتشارها مألوفاً، فنحن نعلم ونعمل بمبدأ لا تخالف فتعرف، وبذلك نكون فعلياً في حلقة ضيقة مركزها الجهل، وكلما تم تعزيز المركز(الجهل) وافتعاله سواء عمداً، أو لقلة في الوعي، تقيّدت الحرية.

فإذا ما جرى تسليط الضوء على آفات المجتمع بتعددية موجزة كان للجهل النصيب الأكبر فيها، فالمحيط هذا غير البعيد عن المثالية من منظوره الخاص إلاّ قليلاً، يشهد نزاعاً دينياً وطائفياً مُكلفاً جداً، لماذا؟ ومن أجل من؟ لا أحد يعرف.

غير أن ماهية الأمر هي أفكار ومعتقدات هشّة، أساسها المتين جهل أسباب وجودنا كبشر وليس كعبيد، قياساً لذلك نكون خانعين لقوة ما نجهل ماهيتها وما إذا كانت قوة إلهية وهذا أمر يُشَكُّ به
أو إذا كانت معتقدات وجدنا عليها أسلافنا، وتابعنا نحن وبشدّة الدفاع عنها والخضوع لها، ما جعلها قيداً متيناً، جعل واجبنا تجاهها الطاعة العمياء بلا أيّ تفكير أو تعقّل، غير أن حقيقة الأديان والوجود يناقض ذلك الفكر المُسيّر.

وما تمّ ذكره ووصفه أعلاه ينطبق على القطاعات المجتمعية كافة، على اعتبار أننا نعمل تحت فكرة السلطة والعبيد، وهذا ليس إلاّ لجهلنا ماهية الفارق الكبير بين السلطة والقيادة، وبأن القيادة تختلف بشيء بسيط عن السلطة ألا وهو التشاركية وإبداء الرأي بواقعية وجرأة.
وبعيداً عن التعقيد، تبدأ الحرية أينما ينتهي الجهل، فالتحرر بداعي المعرفة ينمُّ عن أساس إنساني سليم، مثلما ينمّ عن إعمال الفكر والعقل بمختلف أمور حياتنا، فلا نبقى مأسورين لمفاهيم بالية لم تعد مجدية لواقعنا وحاضرنا، أما عكس ذلك فسيكون مصدر تخلف بقدر ما هو مصدر أخطار متعددة ومتنوعة تحيق بالفرد والمجتمع على السواء.

 

العدد 1140 - 22/01/2025