طه حسين أعذب الناس فكراً وكلاماً وإلقاء
في جواب لفقيد الثقافة العربية محمد دكروب على سؤال: ماذا رأيت في قصص (المعذبون في الأرض) من دلالات.. قال: (قصص المعذبون في الأرض التي كتبها طه حسين في مجلة (الكاتب المصري) تصور الواقع المريع للريف المصري، الملك فاروق اتهم طه حسين بسببها بأنه الرئيس السري للشيوعية في مصر والعالم العربي، إلا أنه فيما بعد اضطر رغماً عنه بطلب من النحاس الذي قال له: وزارة وفدية مع طه حسين أولاً، وأول عمل قام به طه حسين هو: مجانية التعليم، الذي هو حق لكل واحد، كالماء والهواء.
وحول أخطاء اليسار وموقفهم من عميد الأدب العربي، قال محمد دكروب أيضاً: كان طه حسين يضع المخطط ويناضل في سبيل تنفيذه، وكان مكافحاً جداً وجريئاً، ويقول عن الغلط عندما يتبين له إنه غلط.
في الخمسينيات حدثت معركة، بينه وبين اليساريين، ومنهم محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس، ويوسف إدريس، وهؤلاء من التقدميين اليساريين المصريين، الذين تربوا على ثقافة وإبداع طه حسين، وقادوا معركة ضد القديم، فعباس محمود العقاد، كان رجعياً، شيئاً ما، وغيره، فحشروا طه حسين بالآخرين، وعدوه من المدرسة القديمة. في تلك الفترة كنا نصدر مجلة اسمها (الثقافة الوطنية) تضامناً مع رفاقنا المصريين ضد طه حسين، وصرنا نكتب عنه أشياء كثيرة، كانت معركة قوية، وبالوقت نفسه خطأ، أنا عرضت هذه المعارك في كتاب (على هامش سيرة طه حسين) كمشارك فيها، لكن من وجهة نظر مغايرة، ومختلفة لهذه المعركة، وبعين الواثق أؤكد أنها كانت خطأ، وانطلاقها خطأ.. مع هذا الفكر السلفي الموجود، نحتاج إلى طه حسين وإلى أكثر منه، ونحتاج إلى فكر تنويري يشبه تفكيره، كما نحتاج إلى إعادة قراءة لهذه الانهيارات التي حصلت في العالم، بالأخص انهيار الاتحاد السوفييتي. والمفكرون التقدميون في العالم العربي، يخوضون معركة قاسية وخطيرة، لأنه من المؤسف أن التكفيريين وصلوا إلى حد تحليل القتل وسفك الدم، وهذا معاد للإسلام ومعاد لله لأن الله يحرم قتل النفس. إن الله لم يوكل السلفيين بأن يحكموا على الناس على طريقة (أنت كافر، وأنت مؤمن). فليسوا هم وكلاء الله على الأرض، هم بشر كبقية البشر، وهناك كثيرون يخضعون لهذه الفئة، نحن بحاجة إلى الفكر التنويري (الطه حسيني)، وللمكافحين فكرياً من أمثاله.
أودعكم بكثير من الألم.. وقليل من الأمل
يقول الدكتور غالي شكري عن العميد، لست أعتقد أن هناك مثقفاً واحداً من مثقفي العقود الأربعة الماضية في هذا القرن في مصر والوطن العربي عامة، لم يمتد إليه تأثير طه حسين، ولقد كانت وستظل هذه ميزته التي ينفرد بها عن أبناء جيله العظيم.. فلربما نجد من يقول: إنه تأثر بالعقاد، أو سلامة موسى، أو المازني، كل على حدة، لكنك ستجد ان الجميع قد تأثروا، إضافة إلى كاتبه المفضل بطه حسين، لماذا؟! لأن طه حسين هو الوحيد من بين أبناء جيله، الرائد الذي استطاع أن يجمع في حياته العملية بين الأزهري والسوربون، وأن يحل معضلة المعضلات في بداية عصر نهضتنا، وأعني قضية الأصالة والمعاصرة. لقد بقيت قدما طه حسين غائرتين في أعماق الأرض التي ولد من صلبها، ولكن قامته أطلت على العالم كله من اللاتين إلى الفكر الأوربي فيما بين الحربين، وما بين الحربين، وما بعد الحرب العالمية الثانية. أما قضية الديمقراطية، فهي راية طه حسين التي لم تسقط من بين يديه طيله حياته، ولعل كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) هو العلامة الباقية من ذلك الجيل بأكمله.