عين «النور» من قلب الثعلة

يبدو أن الإعلام لم يلحظ خلال السنوات الخمس الماضية للأزمة السورية أن هناك محافظات لم تنأَ بنفسها من أجل الابتعاد عن المشهد السوري، بل عملت على تفعيل دور الثقافة الوطنية، لعل تجربة التلاحم والعيش المشترك الموجود فعلاً وليس قولاً، وتقاسم الرغيف بين أفراد المجتمع من المحافظات السورية جميعها على أرض السويداء المعروفة بتاريخها الوطني وكرم أهلها، شكل نموذجاً وطنياً يحمل بعداً اجتماعياً مستمداً من إرث الأهل والأجداد أن سورية وطن واحد، والعقد الاجتماعي، تحت عنوان: (الدين لله والوطن للجميع)، محفوظ أيضاً برؤية ثابتة أنه (اطلبوا الموت توهب لكم الحياة)، ولأن الموت هو الحياة، والحياة بطعم الكرامة مذاق وذائقة خاصة، وجب تجسيد الفعل التاريخي في اللحظة الآنية، واستعادة تلك الذاكرة من خزان الوجدان العربي.

لقد وقف المجتمع الأهلي إلى جانب الجيش العربي السوري رافعاً العلم الوطني، يغني بحداء الأجداد في معارك البطولة والشرف وأصوات النشاما مع زغاريد النسوة مرددين:

(بالروح نفدي وطنَّا… لو صاح صوت المنادي.. بالروح نفدي وطنَّا)!

(تربة وطنّا ما نبيعها بالذهب….دم الأعادي نجبلوا بترابها)!

حينها استذكر أهالي قرية الثعلة أجدادهم الذين رفعوا العلم العربي بعد دحرهم الاستعمارين العثماني والفرنسي، في ساحة المرجة وأنشدوا أهزوجة النصر:

(زيِّنوا المرجة ترى المرجة لنا… زيِّنوا المرجة لتلعب خيلنا)!

ولأن لهذه المعركة خصوصية وقف الشعب بفئاته المختلفة يحاربون الإرهاب، بعضهم لا يحمل سوى سلاح الإيمان والإرادة، وبعضهم يحمل أسلحة تقليدية جداً تكاد لا يتعدى مداها مئات الأمتار، ولكن كيف يجب أن ينظر إلى مقومات تلك المعركة وانعكاس المعنويات فيها؟!

يذكر أحد الإرهابيين على شاشة إحدى القنوات المغرضة (أورينت) (أنهم لم يقابلوا بشراً بل وحوشاً)، فحاولوا طمس نتائج المعركة بقول المذيع: (لا تذكر ذلك كي لا يحبطوا)، لذلك المشهد أهمية، إذ يُظهر التلاحم بين الشعب والجيش ودور النساء ومشاركتهن جنودنا: قدّمن الطعام للأبطال وهن يزغردن، حتى الأطفال لم يبخلوا بذلك إذ جاء عدد من الأطفال وباعوا ألعابهم لشراء السلاح والمقاومة، فهذه الثقافة لم تلد من لحظة آنية.. بل هي تراكم لمتغير وجودي قائم على الانتماء الوطني في الدفاع عن الأرض والعرض.

وساهمت (النور) إلى جانب غيرها من وسائل الإعلام في قرية الثعلة، ورأينا بأم العين كيف كانت المعنويات عالية، النساء تزغرد للأبطال وتعدّ لهم الطعام، والشيوخ يرفعون عصيّهم القديمة النابعة من السنديان دلالة على تشبث بالأرض والصمود.

فقد قال أحد المقاتلين: إن معنوياتنا عالية وستبقى مادام هناك شعب يؤمن بوحدة الجيش، وأكد أهالي الثعلة أن الجيش العربي السوري هم أبناؤنا ولن نرضى إلا أن يكونوا في بيوتنا، وهم شرفنا وكرامتنا، ونحن معهم ولن نسلّم الأرض إلاّ على جثثنا.. وخسئ الأعداء وعاش الوطن!

ليست قرية الثعلة الوحيدة في هذه الرؤية، بل هناك قرى كثيرة منها داما والحقف وبكا وذيبين والرشيدة والقائمة تطول من قرى الجبل، ولكن الأهم ايضاً ليست السويداء وحدها فكل المحافظات السورية أثبتت وقوفها مع الجيش العربي السوري.

إن ما جرى في الثعلة خلط الأوراق وأفشل خطط أعداء الوطن في إثارة الفتن الداخلية بما يحقق لهم اختراق التركيب الاجتماعي، لكنهم لن يفلحوا أبداً.

إن أهالي السويداء هم أكثر حرصاً على استضافة إخوتهم من القادمين من المحافظات السورية الأخرى، وهم يقدمون التبريكات والتهاني لإخوتهم في الله بحلول شهر رمضان المبارك، وهم يعدّون العدة ليكون إفطارهم واحداً في العديد من القرى بجانب الضيوف الصائمين، فتحية إلى أهالي الثعلة وإلى جيشنا الباسل الذي حقق هزيمة للظلاميين!

العدد 1140 - 22/01/2025