القيامة.. الغربال

حالة الانفجار التي نعيشها لا يمكن أن تقف حائلاً دون نهوض قوى تعمل على التغيير وبناء حالة جديدة تستنبط المقدرات الكامنة في بنية هذا الشعب العظيم ذي التاريخ الحضاري، ليقف شامخاً في وجه الإرهاب المصنّع، والفساد الذي بدا كالجراد يأكل الأخضر واليابس.. ليس قدرنا ولا مشيئتنا أن تقتل وطنيتنا وفكرنا..

(الفكرة تولّد الشخصيات، والشخصيات تولد الحدث).. هذا ما كتبه (هوغو) صاحب (البؤساء).

نعم، لدينا الفكر ولدينا الشخصيات القادرة على نفض غبار السلبية من حياتهم، هناك إيجابيات في داخل كل منا، فلنستفزّها للمشاركة في إنقاذ هذا الوطن.. إنها الحرب، لا ترحم أحداً، وخزّان كل وطن هو القاع، فعلينا أن لا نبخل عليه، شفهياً، كتابياً، قتالاً، والقادر على حمل السلاح.. نعم، حاولت حملت السلاح، وقفت على باب مركز الدفاع الوطني، طلبت مقابلة المسؤول للمشاركة في الدفاع وحمل السلاح، وكان الرد: ما عمرك يا عم؟ قلت: ثمانين.. قال: بارك الله في همتك.. اذهب إلى بيتك ونحن نحميك.. استفزّ مشاعري هذا الجواب.. قلت: عندما كنا في الجيش الشعبي على باب الحارة مسلحين شباباً وشيوخاً معاً صغاراً وكباراً في الخمسينيات، لا يستثني الجيش الشعبي أحداً، الكل إلى المعركة ضد الاجتياح التركي آنذاك.. فما يجري الآن هو الأخطر.. ولا من مجيب! وحيال ذلك حفزتني هذه الحالة للكتابة وهي أضعف الإيمان.. هل الكتابة شمعة تضيء لنا الطريق؟ لا يكفيّ الوطن بحاجة إلى ضوء كشاف كالذي يستعمله صياد الأرانب، إذ يصاب الأرنب بانعدام الرؤية وعدم الحراك، فيجهز عليه الصياد.. وأعداء الوطن بحاجة إلى ضوء كشاف.

على رصيف المدينة صبيان يقفزان، يغنيان بصوت عالٍ لمرسيل خليفة:

إني اخترتك ياوطني حباً وطواعيه

إني اخترك يا وطني سراً وعلانيه

هؤلاء هم صيادو المستقبل!

ولا يسعني إلا أن أشكر جريدة (النور) على بعض صفحاتها الجيدة والمفيدة سياسياً واجتماعياً وصحياً، هذا من دواعي فخري لهذا الاتجاه الذي يحرص على فائدة القراء بكل جوانبها، ودفعني ذلك لأتقدم ببعض المعلومات التي اطلعت عليها في مجال الحياة الصحية عسى أن يستفيد منها بعض الأطباء والمرضى.

قسم أبقراط

(أقسم بحق أبولو الطبيب وبحق أسكليبيوس والآلهة والآلهات ألا أحنث بهذا القسم بكل ما في وسعي وقدرتي، وأقسم أن أتبع نظام العلاج الذي أؤمن، تبعاً لقدرتي وملكتي  إلا في صالح مرضاي، وأن أمتنع عن كل ما هو ضار ومؤذ، ولا أقدّم، إذا ما طلب مني، دواء قاتلاً أو أن أشير بمثل هذه المشورة.

ومهما دخلت من دور، فسيكون دخولي إليها لصالح العليل، ولسوف أمتنع عن أي عمل مؤذ متعمد.

مهما رأيت أو سمعت عن حياة الإنسان، سواء كان ذلك يتعلق بممارستي مهنتي، أو لا يتعلق بها، مما يجب كتمانه فلن أفشي منه شيئاً.. ولأهب المتعة في الحياة وممارستي الفن، وليحترمني جميع الناس، ويكبروني في جميع الأزمان، ما دمت حافظاً لهذا القسم لم أحنث به. أما إذا ما انتهكت هذا القسم أو دنسته فليكن النقيض هو قدري)!

هذه السطور هي جزء من قسم أبقراط، هذا القسم الذي ظل على مدى 2000 عام يحمل السلوك المهني والاجتماعي للأطباء، فلاشك أن هناك من الشواهد على أن بعض أجزاء القسم قد انحدرت من ممارسة لطب لدى قدماء المصريين، كما أن هناك شواهد أيضاً على أن أجزاء أخرى لم تصنف إلا بعد أبقراط.

ولكن مرور 2000 عام جعل جزءاً من القسم عتيقاً عفا عليه الزمن، واليوم بالرغم من أن الأطباء مازالوا يلتزمون بروح القسم، إلا أن ثمة حالات تدعو لتجاهل بعض تفاصيله، ففي ساحات القضاء مثلاً كثيراً ما يضطر الأطباء إلى البوح بالتفاصيل عن مرضاهم، تلك التفاصيل التي تعتبر بلا شك من الأسرار. وبالرغم من أن أبقراط واحد من الشخصيات العظيمة في التاريخ، إلا أنه لا مناص من أننا نكاد لا نعرف عنه شيئاً، بيد أننا نعلم أنه ولد في جزيرة كوس الصغيرة في بحر إيجة عام 460 ق.م، والاعتقاد بأنه تلقى الطب هناك، ثم لقنه لتلاميذه بعد ذلك.

ويبدو من المرجح أيضاً أن أبقراط تلقى العلم في بلاد اليونان نفسها، وأنه زار أثينا ومات في لاريسا، وبالرغم أننا نعرف أنه كان طاعناً في السن وبلغ عمره ما بين 85 و110 أعوام، إلا أننا نجهل تاريخ موته على التحقيق.

المنهج الأبقراطي

كان الطب الإغريقي قبل أبقراط يعتمد إلى حد كبير على السحر، وعلى المعتقدات الخرافية والطقوس الدينية، كانوا يؤمنون في الواقع أن بعض الأمراض عقاب تبتلي به الآلهة العتاة التواقة للانتقام، البشر التعساء، إلا أن أبقراط رفض هذه الأفكار رفضاً قاطعاً، ولقد ظل يبشر طول حياته ويجادل بأن جميع الأمراض لها مسببات طبيعية ولا ترجع لقوى خارقة للطبيعة. ولقد أثبت الطب الحديث أنه كان على صواب في هذا الرأي وفي كثير غيره من الآراء. ومن بين الفوائد التي زود بها أبقراط الخبرة الطبية، إصراره على وجوب فحص الطبيب بصفة مستمرة لمرضاه بعناية، وهكذا يتعلم أعراض كل مرض وسيره.. وبهذه الوسيلة يستطيع الطبيب أن يتعلم كيف يتفاقم كل مرض ويكون في مقدوره التنبؤ بنتيجة الأحوال المماثلة بدقة.

– الحياة قصيرة والفن (فن الطب) طويل، فالفرصة سريعة الإفلات، والخبرة خداعة مضللة والحكم صعب.

– تلك الأمراض التي لا يشفها الطبيب يشفيها المشرط، وتلك التي لا يستطيع المشرط شفاءها تشفيها النار، وتلك التي لا تستطيع النار شفاءها، يجب إدراك أنها مستعصية على الشفاء تماماً.

– الأمراض الشديدة تناسبها أكثر ما تناسبها وسائل العلاج الصارمة.. الأشخاص بالغو البدانة بطبيعتهم عرضة للموت مبكراً عن أولئك من ذوي الأبدان الرشيقة، هكذا الأمر مع المرض المسمى بالمقدس.. يبدو لي أنه لا يزيد قدسية أو إلهية عن الأمراض الأخرى.. إلا أن له سبباً طبيعياً يتولد منه كباقي الأمراض.

– لابد أن ينتبه المرء إلى أن الرباط يميل إلى السقوط نحو الجزء المنحدر أو الذي يضمر، لأعلى مثلاً في حالة الرأس، ولأسفل في حالة الساق.

– إنه لمما يستحق المعرفة أن نعرف كيف يجب أن نعالج الكتف المعرض للخلع كثيراً، لأن الكثير من الناس اضطروا بسبب هذا الحادث لهجر التمارين الرياضية، وبالرغم من أنهم من ناحية أخرى كانوا أهلاً لممارستها، ولشقائهم أصبحوا غير أكفاء أثناء المعارك الحربية، وهكذا وافاهم أجلهم.. وهذا الموضوع يستأهل الملاحظة، لأنني لم أعرف طبيباً أبداً يعالج هذه الحالة العلاج الصحيح، فبينما يقلع بعضهم عن محاولة العلاج نهائياً، كان لبعضهم من الآراء ووسائل العلاج ما يلزم للمريض نقيضه.

– ثمة أشكال شتى لانحناء العمود الفقري، حتى بالنسبة لأولئك الذين في صحة جيدة، لأنه يتخذ وضعه نتيجة لتكوينه الطبيعي ونتيجة للعادة، كما أن العمود الفقري معرض للالتواء مع كبر السن ونتيجة للآلام.

العدد 1140 - 22/01/2025