المواطن المجلوط !

سألني أبو فأس: هل الجلطة (الجماهيرية) سببها الظلم الذي يقع على الجماهير المقهورة، وطغيان البرجوازية، وضد السياسة المخادعة؟

احترتُ في تقديم الإجابة بسرعة كعادتي.. انتظرَ جوابي بفارغ الصبر، حتى أنتهي من دلق كأس الشاي في حلقي رغم سخونته.. لم يتوقع سخريتي من هذا السؤال، وكأنَّ أبا فأس يعيش في غابة بعيداً عن البشر.

قلتُ له: البارحة لولا الهجوم الشرس من قبل مجموعة من الذكريات الساخرة وفطنتي التي أنقذتني من جلطة قلبية أو نزف دماغي، لكنتُ الآن في وادي النسيان ولم تعد تراني طيلة حياتك..!

البارحة يا أبا فأس اشتهيتك أن تكون معي في تلك اللحظات البائسة، وأن تفتح أذنيك جيداً وتسمع ماذا جرى في زقاقنا من حكايات تتكرر منذ مئة عام وأكثر.

من أول الزقاق أرشدني خيط من المازوت.. واتَّسعت فتحتا أنفي، وبدأتُ أستنشق رائحته المنسية.. وكلما اقتربتُ من المنزل ازدادت ثورة الرائحة، والتهم الوجدُ قلبي المنفوخ من ارتفاع الحرارة، وصفرت أمعائي من الجوع.

وتبدأ معركة حامية الوطيس في معدتي الضامرة، وأنا أسمع ما جرى من قصة ليست غريبة عليك، بل ربما تكون محمَّلة بالعجائبية المرَّة، من سيارة المازوت ذات الرقم (744318 ) وأمنياتي التي تحققت بعد تسعة شهور من التسجيل في (سادكوب) والحصول على 200 ليتر من المازوت، الذي يشفي الأمراض النفسية والعضالية ويحطّم كبرياء السلبيات ويمنح الإيجابيات شهادة سلوك ومرحى لنظافة سمعة شركة (سادكوب)، أو بالأحرى هؤلاء اللصوص الباعة، ولا أعرف من أية مزبلة جبلوا ومن أي إسطبل قدموا، بعد أن اكتشف ابني الواقف أمام العداد وزوجتي الواقفة بجانب الخزَّان على سطح البيت مع المرشد السياحي (المازوتي). أنه في ثانية واحدة فقط ومن كبسة واحدة قفز العداد خمسة وعشرين ليتراً.. وهرب اللص ولم يستلم ثمن المازوت، لكن الاتصالات السريعة من زميله الذي يتصف ب (الحكمة والخوف من العقوبة)، ملأ البيدون .. وعاد المازوت إلى قواعده دون إصابات بجروح بليغة.. ووعدني المسؤول، بعد أن أخبرته ما جرى معنا ومع جيراننا، بمعاقبة هؤلاء اللصوص عقوبة شديدة.. وربما يصل الأمر بفصلهم لتكرار سرقاتهم اليومية لمازوت المواطنين الذين يعانون من تكرار الجلطات القلبية وكثرة الإسعافات إلى المشافي الحكومية المجانية.

قال أبو فأس وهو يمضغ عسل سيجارته  ويضغط عليها بين إصبعين متورمين ويتلذذ بها: لا ينفع البكاء ولا ينفع السكوت على الفساد.. فأصغيتُ إلى نصيحته وهي تخرج من بين أسنانه الصدئة ويلتحم رذاذ لعابه مع حروف الكلمات.. وكنت مضطراً جداً أن أسمع هذه الجملة من سجلّه ولا أعلم من أين أتى بها.. وقال: (فالحياة يا صديقي مسرح وأنا وأنت المتفرجان على هذه المسرحية..!؟).

شعرت وأنا أستعيد أقوال أبي فأس، أن نفحة باردة ونسائم حريرية رطَّبت ما تبقَّى من يأس وغضب.. واكتشفت متأخراً أنني لو احتفظتُ بما يجري لي ولأي مواطن كل يوم من أحداث، لأصبت بجلطات متعددة الاتجاهات، وفقدت قلبي مبكراً بجلطة أكبر بمئة مرة من هذه الحادثة التي سجّلت ضد مجهول..!؟

العدد 1140 - 22/01/2025