كتاب وشعراء وفنانون عرب يؤبّنون «شاعر الفقراء»
بكثير من الحزن والحسرة استقبل الكتاب والشعراء والفنانون العرب يوم الثلاثاء (الثالث من الشهر الجاري)، خبر رحيل (شاعر الفقراء)، وشريك الملحن والمغني الشيخ إمام عيسى لعقود طوال، في شحذ همم الشباب والرجال العرب في حروبهم وثوراتهم ضد العدو الصهيوني والامبريالية الأمريكية، وأباطرة الفساد والاستبداد ممن ابتلينا بهم من حكام هذا العصر في ربوع وطننا العربي، ليشكلا معاً ثنائياً، ويصبحا من أهم ظواهر تظاهرات الطلبة في الجامعات المصرية والعربية منذ مطلع السبعينيات..
(النور) سجلت شهادات لعدد من المثقفين العرب في وداع (نجم)..
يقول الكاتب الفلسطيني الشاب سليم البيك: (لا أستطيع أن أقول إني ابن (الجيل) الذي تشكّل وعيه السياسي على أشعار أحمد فؤاد نجم وأغاني الشيخ إمام، ببساطة لأن مشروعهما الفني والسياسي عابر للأجيال، في إبداعاتهما المشتركة ما يجمع بين هذه الأجيال من الناحية الزمنية، والمكانية حيث كانت فلسطينية وسورية وتونسية وعربية، بالقدر نفسه الذي كانت فيه مصرية، ويربط بينها من الناحية الفكرية والسياسية، لتشارك هذه الأغنيات والأشعار في تشكيل هوية فكرية يسارية لشباب أي جيل، منذ انطلاق مشروع نجم وإمام إلى اليوم، هوية هي من ناحية مقاومة للاستبداد الداخلي وللاحتلال الخارجي، ودون مزاح. وهو ما يميز هذا المشروع، مشروع لم يتعطّل بموت الشيخ إمام ولن يتعطل بموت أحمد فؤاد نجم، فخلال السنوات الطويلة الماضية رسّخ حضوره بين جميع أجيال الشباب وغير الشباب، وهو ما سيستمر في السنوات القادمة).
ويضيف الروائي الفلسطيني صبحي فحماوي: (أحمد فؤاد نجم – شاعر الشارع – وابن الفقراء الذي أصر على أن يبقى على الرصيف بلا مقعد فاره مثل غيره، وذلك كي يرى الناس في الشوارع وهم مارون، وهم يهتفون، فكان يهتف معهم للحرية. بالأمس كان معي أو أنا كنت بمعيته، واليوم سافر. وداعاً أحمد فؤاد نجم، وستبقى نجماً محلقاً في سماء الحرية). من جهته يقول الروائي والأسير المحرر عصمت منصور: (نشعر بالحزن العميق كمناضلين تجاه هذه الخسارة، فقد كانت قصائده تصلنا متجاوزة جدران السجن حاملة معها آهات الفقراء وعبق الثورة والنضال، كنا نتداولها كأسرى بفرح ونلقيها في المناسبات الوطنية، ننشدها ونشحذ إرادتنا مع صوت الشيخ إمام ونلتحم عبرها بالوطن وقضايا الفقراء، كانت كأنها كلمه سر تبهت السجن وتشبك بيننا وبين أمتنا وقضاياها. سيفتقد الأسرى كما الفقراء والمقاومون هذا الصوت القوي الذي عبر عنهم ووحدهم وجدانياً، خصوصاً في هذا الزمن الصعب والردة).
وبحزن عميق يقول الفنان المسرحي المقدسي حسام أبو عيشة: (أحمد فؤاد نجم، المصري المولد والفلسطيني الدم والعربي اللحم، شكل على مدى أربعة عقود ويزيد وقوداً فكرياً وتعبوياً وفنياً لشباب فلسطين الثائر. من عمر الأربعة عشر عاماً حتى السبعين عاماً، تعلق وتعشق كلمات نجم وألحان إمام، تتبعناه في بيوتنا وفي الشوارع وفي السجون، كنا نقتنص القصيدة فتصير نشيداً وطنياً يغنى في الأفراح والمظاهرات. وكان ماءنا وملحنا في مراحل النضال الأممي، من (شرفت يا نيسكون بابا) إلى (يا فلسطينييّ)، إلى (شيّد قصورك)، و(جيفارا مات).. كل قصيدة دفعة نحو الثورة على الاضطهاد والظلم. ساحات المدارس والجامعات رددت قصائد نجم، عشرات الفنانين والفرق الفنية اختصت بالغناء لنجم، توءم فلسطين روحاً وإلهاماً وشحذاً للهمم.
اليوم وغدًا وبعد مئات السنين، .سيظل نجم بعد رحيله نجماً هادياً لكل المضطهدين، وأخص فلسطين. لا أقول وداعاً. لم ترحل إلا جسدًا ، ويا تراب الكنانة دق المزاهر.. رش الحنا.. وانتهي، وضم بحنانك، خير زائر).
ومن تونس الحبيبة، التي طالما رحبت بالشاعر ورفيق دربه الراحل الشيخ إمام، يأتينا صوت شاعرنا عبد الوهاب الملوح، الذي قال: (الشاعر نجم واحد من حملة المشاعل الكبار في دهليز هذا الزمن العربي الطويل ولا أفق يطل منه، إنه وهو يتقدم في الصف الأول من المثقفين الذين آمنوا بقضايا الإنسان العربي وتكلموا بصوته، سواء ضد الحكام العرب المتشبثين بكراسيهم أو ضد العدو الصهيوني أو ضد الإمبريالية العالمية التي تمثلها أمريكا الشرطي الأطول في العالم. كرس حياته لحب الناس وحب البلاد وحب الشعر، وكان لا يبحث عن الشهرة أو النجومية بقدر ما يريد الكرامة لهذا الشعب من المحيط إلى الخليج، حتى حين التقيت به مرة في تونس كان قد رفض الإقامة في نزل خمس نجوم، لأنه كما قال لي لا اشعر بالراحة إلا وسط الناس وبينهم الناس العاديين. كان فعلاً مثالاً للشاعر الحقيقي والمثقف الذي يحمل هموم الشعب.
عشرته مع الشيخ إمام لمدة سنوات طوال دليل على ذلك، وحتى رغم انقطاع جسور التواصل بينه وبين إمام بسبب الوشاة والمغرضين، فقد بقي يحبه ووفياً له، فلم يتوقف عن زيارته وفي كل سنة يأخذ إلى قبره زهرة صبار. إنه رجل كبير الروح وإنسان استثنائي وشاعر لن يجود به الزمن مرتين).
وتقول الكاتبة والناقدة التونسية ألفة يوسف: (رحمك الله أيها الشاعر الكبير.. يمكن أن ترتاح قريرًا، فمصر في طريقها لتشفى نهائياً من سرطان الإخوان. قمت بدورك إلى آخر رمق.. سلم على الشيخ إمام)..
ويقول الكاتب الأردني الساخر كامل نصيرات: (اختلفنا معه أم لم نختلف، أحمد فؤاد نجم، شاعر ملاييني وثورات كبيرة.. له طعم الأرض حين تحتضن أولادها العشاق ..هو عرق الكادحين الذين ينظرون بعيون أطفالهم ليلاً ليتأكد أن عيونهم أوت للأحلام بشكل سليم. قالوا لي: نجم مثل المتنبي خلدته أشعاره.. فأقول لهم: بل يزيد نجم عن المتنبي بميزة أخرى، نجم موجود في كل تفاصيل وجعنا المعاصر بكل هزاته وزلازله و براكينه، لذا من يقرؤه فهو يقرأ نفسه، أما المتنبي فلم يعش في أحداث تشبهنا وتشبه الإنسان الكادح في كل العصور. وإذا يأوي نجم طرياً طازجاً للتراب، فلأنه قال كل ما عنده و يريد أن يراقب المشهد من هناك.. ويلهم الثوار الجُدد أساطير صمود جديدة).