الدراسة الجامعية.. تعليم أم تعذيب؟
قد يبدو من أكثر المشاهد جمالاً في الصباح رؤية طلبة المدارس والجامعات يتوجهون إلى مدارسهم أسراباً، كطيور غادرت أعشاشها متجهة إلى منزلها الثاني، هؤلاء الطلاب الذين لم تستطع قذائف الحقد والإرهاب منعهم من متابعة دراستهم، ولكن السؤال الذي يتراود إلى الأذهان بين الحين والآخر: هل ستستطيع قذائف من نوع آخر منع الطلاب سواء أكانوا جامعيين أم طلاب مدارس من متابعة تعليمهم، والذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم لتلقي حقهم في التعلم؟ هل سيكون لها تأثير أكبر وأقوى من تأثير الإرهاب عليهم؟
لم يكن لبداية العام الدراسي انعكاسات على ذوي الطلاب فقط، ولكن هذه الانعكاسات امتدت لتشمل الطلاب والدارسين كلهم، فبدءاً من التلميذ الذي أصبحت دراسته تأخذ الكثير من حسابات ذويه المالية، حتى ينال الشهادة الثانوية، مروراً بالطالب الجامعي الذي لم تختلف حاله عن حال التلميذ بكثير، بل وقل تزيدها سوءاً، فأسعار الكتب وحدها تتطلب ميزانية خاصة، كما عبرت وداد حين لقاء جريدة (النور) بها بقولها: كل دكتور جامعي يفرض كتاباً من تأليفه وعلى الطلاب الالتزام به، وأسعار الكتب ليست قليلة، فهي تتطلب ميزانية خاصة، فافرضوا أن لكل طالب سبع مواد في الفصل الواحد، فهذا يعني سبعة كتب، وعدداً لا حصر له من المحاضرات.
ورغم الدورات الاستثنائية المتتالية التي تفتح كل عام بغية إعطاء الطالب فرصة جديدة للنجاح، فلا يزال العديد من الطلاب الذين لم يستفيدوا من هذه الدورات، إما لأسباب تتعلق بصعوبة التنقل من جامعاتهم وإليهم، وإما لأسباب تتعلق بتأخر الوقت المحدد للمادة، وقد طرح في الآونة الأخيرة عدة قصص حول تأخر طالب ما عن امتحانه بسبب الطريق، وحرمانه من التقدم للامتحان بسبب هذا التأخير.
مشكلة أجرة الطريق لم تكن غائبة عنا، فعدا الميزانية الموضوعة للكتب، هناك ميزانية أخرى يجب أن توضع في الحسبان، ألا وهي ميزانية أجور التنقل، التي أصبح ذوو الطلاب يحسبون لها الحسبان، وبات الكثير من الطلبة يحددون، أو قل يختصرون أيام دوامهم تخفيفاً للمصروف، كما قال أحمد وهو طالب في كلية الآداب: رغم أنه يتوجب عليّ الدوام يومياً لحضور جميع المحاضرات، إلا أنني اضطررت لتحديد أيام دوامي واختزالها ليومين فقط، تخفيفاً للمصروف ونفقات الأجور.
أما رؤى الطالبة في كلية الهندسة فقالت: إنني مجبرة على الدوام يومياً، بسبب الدروس التطبيقية والعملية في الكلية، ولا أستطيع تخفيف أيام دوامي لأن ذلك يعني رسوبي في بعض المواد، فكيف لموظف لا يتجاوز راتبه الثلاثين ألفاً أن يقوم بتدريس طالبين فقط في الجامعة، إذا كان سيحسب ما يقارب العشرة آلاف ليرة سورية لكل طالب شهرياً؟ وللمحاضرات نصيب آخر من المصروف، واعتبارات أخرى لدى الطلاب، فقد اشتكى العديد من الطلاب من كثافة المحاضرات المفروضة من قبل الدكاترة، إضافة إلى أسعارها التي باتت ترتفع تماشياً مع ارتفاع الدولار، وارتفاع أسعار المواد الأخرى.
هدى (طالبة في كلية الحقوق) شرحت لنا معاناتها قائلة: لدينا عشرة كتب، وكل كتاب لا يقل عن 200 أو 300 صفحة، وتختلف تسعيرة كل كتاب بحسب حجمه، عدا وجود كتب تتجاوز الـ 400 صفحة، وتأتينا مشكلة المحاضرات، التي يعاني كل طالب جامعي بسببها، فالكثافة أولاً والأسعار ثانياً أصبحتا هماً كبيراً على الطالب الجامعي تحمله لأربع سنوات، هذا إن تخرج بعد أربع سنوات حقاً.
أحمد كان له وجهة نظر أخرى فقال: ما الفائدة من كل هذه الدراسة إن كان الطالب سينال الشهادة ليجلس في نهاية الأمر في المنزل، مثله مثل من لم يدرس، مصروف كبير في المدرسة، ومصروف أكبر في الجامعة (محاضرات وكتب ومراجع وأجرة طريق ومصروف يومي)، وفي النهاية لا وظيفة ولا عمل، لم لا نختصر كل هذه السنوات وكل هذه المصاريف، ونبحث عن عمل نمارسه لا يتطلب شهادة، أو دراسة؟
شكاوي وهموم جامعية باتت تؤرق أغلب طلبتنا، وتؤرق ذويهم المسؤولين عن دراستهم ومصاريفهم، وقليلون هم الراضون عن أحوالهم.
أفلا نولي طلبتنا اهتماماً أكثر لنشجعهم على الدراسة؟ أفلا نكون عوناً وسنداً لمن سيكونون في موضع القرار في المستقبل؟
إذاً، لم لا تقوم الحكومة بتفعيل القروض الطلابية، التي أصبحت احتياجاً أساسياً لأغلب طلبتنا الجامعيين لتكون عوناً في دراستهم الجامعية، كدعم منها للعلم والحث عليه، وإدراكاً منها لدور العلم في بناء مستقبل مثقف واعٍ وجيل قادر على تحمل المسؤولية وصنع القرار.