خالد العظم…

 ولد خالد العظم في 6 تشرين الثاني ،1903 وقد أشار في الجزء الأول من مذكراته إلى أنّ فرحة والديه به كانت كبيرة، إذ قدم بعد خمسة وعشرين عاماً أنجبا فيها بنتاً واحدة وطفلين توفيا قبل بلوغهما الثالثة. ويضيف أن أمه عندما كانت حاملاً به زارت ضريح الصحابي خالد بن الوليد في حمص، ونذرت إن وهبها الله مولوداً ذكراً أن تسميه خالداً. وحدث لها ما أرادت..

مكث خالد العظم يوماً واحداً في مدرسة ابتدائية، ثم تابع دراسته في البيت، فأنهى الابتدائية في سنوات ثلاث وعمره تسع سنوات، وعندما عيّن والده فوزي باشا ناظراً للأوقاف في الحكومة التركية انتقلت العائلة إلى تركيا حيث تابع دراسته هناك، وبعد أن عادت عائلته إلى دمشق تابع دراسته بالمدرسة التجارية التي كان يشرف على إدارتها الشيخ مصطفى الطنطاوي، وبعد إتقانه للتركية والفرنسية ألحقه أبوه فوزي بيك بمدرسة عنبر، درس القانون في جامعة دمشق وتخرج فيها عام ،1923 وفي عام 1925 أصبح عضواً في بلدية دمشق، وفي الوقت نفسه كان يدير أملاك العائلة الكثيرة والمنتشرة في معظم أنحاء سورية، وأصبح مدير شركة الأسمنت الوطنية، وقاد البرجوازية الصاعدة، فاتهم بأنه رأسمالي جشع (يستغل القوى الكادحة)، لكن العظم كان لديه طموح آخر، لا يشبعه سطوة المال، كان دم أسلافه الذين حكموا دمشق طوال القرن التاسع عشر، قد أخذ يتحرك ليغير له مسار حياته.

بدأ في ذلك الوقت شغفه المحموم بالسياسة، وفي منتصف الثلاثينيات تقرب من قادة الكتلة الوطنية، الحركة الأساسية المناهضة للانتداب، وأصبح شريكاً لشكري القوتلي…

وفي نيسان ،1941 عندما حاول الفرنسيون إيجاد رجل (تسوية) يوازن بين المطالب الوطنية والمصالح الفرنسية، اختاروه رئيساً للوزارة، مخولاً بصلاحيات رئيس جمهورية، لكن وزارته لم تدم طويلاً، إذ حل محله في العام نفسه تاج الدين الحسني الموالي للفرنسيين حتى وفاته عام ،1943 فانتخب مكانه القوتلي صديق العظم، وكلف خالد بتشكيل وزارة وطنية، أدارت المفاوضات مع فرنسا من أجل عقد معاهدة تضمن استقلال سورية، أبرمت المعاهدة تحت ضغط الحرب العالمية الثانية على فرنسا، التي سرعان ما تراجعت عن الالتزام بتنفيذ بنودها، وطالبت الوزارة بالاستقالة، وقصفت مدينة دمشق بالمدفعية والطائرات عقدت الوزارة الوطنية اجتماعاً في قصر خالد العظم، فقامت القوات الفرنسية بقصف القصر بالقنابل للتخلص من أعضاء الوزارة دفعة واحدة، وتهدم الجزء الجنوبي من القصر نتيجة الغارة.

دخل العظم بعد الاستقلال معترك السياسة من أبوابها العريضة، فانتخب نائباً عن دمشق لثلاث دورات متوالية، لكن العظم بدأ في ذلك الوقت أشد معاركه شراسة، فقد اختلف مع صديقه في السياسة، شكري القوتلي، واتهمه بالتفرد بالسلطة، واستقال العظم، منتقلاً إلى المعارضة، وقادها ضد القوتلي، فاتهمته الصحافة بالطموح للسلطة وبأن معارضته ترمي للوصول إلى الرئاسة بدلاً منه.

وفي1947 ازدادت العلاقة توتراً بين الرجلين عندما سعى القوتلي لتعديل الدستور تمهيداً لفترة رئاسية ثانية، فرفض العظم وشكل جبهة ضده، فأبعده القوتلي بتعيينه سفيراً في فرنسا، وأقام في باريس لمدة عام واحد قام في أثنائه بشراء الأسلحة للجيش السوري المشكل حديثاً، ووصلت الشحنة الأولى عام 1948.

وفي عام 1948 كلّف بتشكيل وزارة مستقلة، فتجاوز العظم والقوتلي خلافاتهما في محاولة لمعالجة تداعيات النكبة، فاصطدم بالعسكريين، واتهم رئيس الأركان حسني الزعيم بضعف القيادة وأوصى بتنحيته من منصبه، لكن الأخير قاد انقلاباً عسكرياً واعتقل كلاً من العظم والقوتلي، وأودعهما سجن المزة.

بين عامي (1950-1951) شكل العظم ثلاث وزارات، مكلفاً بالحد من نفوذ العسكر وبالإصلاح الاقتصادي، في هذه الفترة قام بإجراءاته الشهيرة: القطيعة الاقتصادية مع لبنان وإغلاق الحدود حماية للصناعة السورية، وإقامة مرفأ اللاذقية للتخلص من سيطرة مرفأ بيروت على واردات سورية الجمركية، كما أصلح النقد السوري.

ابتعد العظم عن الحياة العامة في السنوات (1951-1954) احتجاجاً على الإجراءات البوليسية التي اتخذها حاكم سورية العسكري الجديد الرئيس أديب الشيشكلي، لكنه عاد إلى معتركها بزوال الحكم العسكري، مرشحاً للرئاسة، في تنافس واضح مع الصديق العدو شكري القوتلي عام ..1955. ربح القوتلي وخسر العظم، وأصيب بذبحة قلبية وعاد إلى الظل فترة قصيرة. ولكنه تجاوز الأمر وعمل تحت أمرة خصمه كما كان يعمل سابقاً.

وعاد في تشرين 1956 وزيراً للدفاع في وزارة صبري العسلي شاغلاً فيها دوراً محورياً في توجهه لإقامة تحالف مع الاتحاد السوفيتي، وهو صاحب نظرية الانفتاح على المعسكر الشرقي واستيراد السلاح منه لكونه الضمانة الوحيدة لاستقلال سورية، وبنى جسوراً للقاء مع الاشتراكيين والحزب الشيوعي السوري، ولذلك لقب بالمليونير الأحمر.

في أيلول 1962 كلفه ناظم القدسي بوزارته السادسة والأخيرة في محاولة لضبط الوضع المعقد.

توفي في بيروت ،1965وقبل وفاته كان يردد موصياً أن يدفن بجوار الإمام الأوزاعي.

كان سياسياً محترفاً، وكان في الوقت نفسه مولعاً بالأدب والفن، أحبّ هواياته إلى نفسه القراءة والرسم، وأكثر ما يقرأ كتب التاريخ والمذكرات السياسية، عشق السينما، والمعمار الدمشقي، وترك قصراً في سوق ساروجة، تحول اليوم إلى (مركز الوثائق التاريخية)، يحوي أكثر من خمسة ملايين وثيقة ومخطوطة يعود تاريخ أقدمها إلى ما قبل خمسمئة عام، وهو ما ينسجم مع أفكار العظم الذي كان يؤمن بأن التجديد لا يجري إلا بإحياء القديم والأخذ بما يصلح منه للأوان الحاضر والزمن الآتي.

العدد 1140 - 22/01/2025