عــلى ذمـة أبي الطيّب
كتبَ أبو الطيّب الجرفي:
أ ــ يُروى، فيما يروى، أنّ أحد الخلفاء العباسيين بَيْنَما كان يلعب الشطرنج مع وزيره (البرمكي).. دخل عليه (خاله).. فغطى الخليفة الرقعة الشطرنجية… ورحّب بضيفه: حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاك يا خال.. على الرحب والسَّعَة.. والله لقد صادفْتَ أهلاً ووَطِئْتَ سهلاً… ثم سَكَتَ الجميع.. وساد المكان الصمت المنفّر… ولما طال قال الخليفة لخاله: أتحفظ شيئاً من الذكر الحكيم تسمعنا إياه…؟ فردّ الخال بالنفي(؟!) فقال الخليفة: أتحفظ بعضاً من الحديث النبوي الشريف..؟ فكرر الخال النفي(؟!) فقال الخليفة: من أشعار العرب ونوادرهم وطرائفهم وأيامهم ووقائعهم…؟ فنفى الخال معرفته بكل ذلك نفياً قاطعاً(؟!) حَبَسَ الخليفة غَيْظَه وأمسكَ على ما في نفسه منه.. واعتراه شعور شديد بالغَمِّ والحزن والكَرْب، وأضحى كظيماً (( وابْيَضَّتْ عيناهُ من الحُزْنِ فهو كَظِيمٌ )) /يوسف ــ 84/.
وبحركة لا إرادية التفت إلى وزيره وقال له، بعد أن رفع الغطاء عن رقعة الشطرنج.. كش ملك.. فوالله ما معنا أحد في الدار… (كشَّ فلانٌ الرجلَ وغيره كَشَّاً وكَشِيشاً: طردهُ وزَجَرَهُ…).
أبا شفيع الذي ما برحتْ ذاكرته تورق كل مساء.. قل لنا: كم ينبغي أن نكشَّ ونطرد من محراب الأدب والفن والثقافة والصحافة.. ومن ملاعب السياسة والاقتصاد والإدارة والإعلام ..!
ب ــ كان الشاعر الأمويّ العالي المقام (همّام بن غالب بن صَعْصَعَة) الملقَّب بالفَرَزْدَق لجَهامة وجههِ وغِلَظِه، أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير، والأخطل، والفرزدق الذي لولا شعره (كما يقال) لذهب ثلثُ اللغة ونصف أخبار الناس… تهاجى مع الشاعرين الأمويين الكبيرين جرير والأخطل وأخباره معهما كثيرة، شهيرة…
ذات يوم أنشد الفرزدق قصيدة أمام جمع غفير من الناس.. ومن بين المستمعين كان هناك غلام (ينط كما الطابة).. يعلو ويهبط من فرط سعادته وحماسته وهو يستمع للفرزدق.. ويصفق تصفيقاً حاراً فرحاً وطرباً.. وقد لاحظ الشاعر ذلك.. لما انتهى الفرزدق من إنشاده استدعى ذلك الغلام وقال له: أأعجبك شعري؟ قال الغلام: لم أسمع أجمل منه! حينئذٍ قال الفرزدق للغلام، وقد داخله الزهو والغرور والأنفة: أيسرّك أن أكون أباك؟ ردّ الغلام على الفور قائلاً: أما أبي فلا أبتغي به بدلاً، ولكن يسرّني أن تكون أمّي…؟!
ج ــ من النوادر التي تُروى على ألسنة العامة والخاصة.. نادرة تنطوي على شيء من الطُّرْفَة والمفارقة والتأمل: أحد ملوك الأرض الديمقراطيين الخالدين خلود الأنظمة العربية؛ الجمهورية منها والملكية والأميرية والسلطانية والمشايخية والطائفية.. الملعونة الأبوين والجدين والخالين… أراد امتحان ثلاثة قضاة من قصر (العدل) الذي لم يبقَ منه، على وجه الإجمال، سوى اسمه(؟!) ولَقِيَ الملك ذات صباح فرصته حين رأى رجلاً يسقي بقرة ماء وخلفها (عجلة)، فدعاها، وهو راكب فرساً، فتبعتها العجلة.. فتخاصم الملك والرجل صاحب العجلة… فجاءا إلى القاضي الأول (أبو طبلة وزمارة)، فأعطاه الملك دُرّة، وقال له: أحكم بأن العجلة لي.. قال: بماذا احكم؟ قال الملك: أرسل الفرس والبقرة والعجلة فإن تبعت الفرس فهي لي.. وكان ذلك.. تبعت العجلة الفرس، فحكم للملك بها.. وأتيا القاضي الثاني (الصادق، الأمين).. فحكم، كذلك، له بها، وأخذ دُرّة وانصرف مرتاح البال والضمير… ثمّ أتيا القاضي الثالث، فدفع له الملك دُرّة، وقال: احكم بيننا… قال القاضي: لا أستطيع يا مولاي..!
قال الملك: عجباً.. كيف لا تستطيع..؟
قال القاضي: يا صاحب الجلالة..! أنا حائض..؟!
دهش الملك وأصابه الذهول وبعد هُنَيْهَة قال: سبحان الله.. أيحيض الذكر؟
أجاب القاضي…: سبحان الله.. أتلد الفرس بقرة؟