إلى متى؟

 منذ خمس سنوات حتى الآن ما زلنا نبحث عن رئات اصطناعية، فرئاتنا الطبيعية خنقها سوء الوضع وأودى بها إلى الهلاك. منذ خمس سنوات وحتى الآن مازلنا نبحث عن قلوب اصطناعية، فقلوبنا القديمة ماتت، أو بالأصح لم تعد تناسب هذا العصر الذي نعيشه. خمس سنوات من عمرنا فعلت فعلتها بنا، لم تترك مواطناً سورياً إلا وقدمت له شيئاً من تغيراتها، فأخذت منه وأعطته، أوجعته وآلمته.

قد نستطيع أن نكون منصفين أكثر إن قلنا إن هذه السنوات الخمس لم تكن لتفعل ما فعلت وتؤثر كل هذا التأثير لولا وجود بعض مغيبي الضمير وفاقدي الإحساس، وسارقي الوطن، وناهبي خيراته.

ولسنا مبالغين حين نقول إنه لا يوجد شخص في هذا البلد إلا ومرت فوق رأسه سحائب الأزمة، فمنهم من مرت فوق رأسه فسرقت منه أحبابه، ومنهم من مرت فوق رأسه وسرقت منه أحد أعضائه، ومنهم من أخذت حياته، ومنهم من سلبته منزله، ومنهم من أعطته أموالاً سافر ليحيا بها في الخارج، ومنهم من أعطته ما ليس له، ومنهم من دسّت في جيوبه أموالاً لم تتسع لها خزائنه، ومنهم، ومنهم، حالات يستحيل جصرها في سطور.

كل شيء في حياتنا تبدل، كل شيء تلون بلون الرصاص، وأصبح صوته كصوت التفجيرات، وأصبح وقعه كوقع القذائف والصواريخ،

كل شيء، كل شيء.

لا القلوب بقيت ولا الأنفس ولا الطرقات ولا الأسعار ولا المعيشة، كل شيء اتخذ طابع الأزمة بجدية.

وبات المواطن يتساءل في قرارة نفسه: إلى متى؟

إلى متى سأبقى مشرداً في بلادي، غريباً في وطني؟

إلى متى سأتجرع شقاء العيش وضيق الحال وأصمت؟

إلى متى سأكتب مشكلاتي على أوراق نهايتها المهملات دون النظر إليها؟

إلى متى يا وطني سأبقى أسابق الرياح دون أن أصل؟

إلى متى سنبقى ننال الشهادات ونقدمها هدية لأول حائط يصادفنا، علّه يتجمل بورقة لن تنفعنا في شيء؟

أسئلة مبعثرة، وأجوبة لا تعرف طريق الوصول،

فهل سيأتي يوم تصل فيه الأسئلة إلى آذان المجيبين؟ وهل يا ترى سيأتي يوم وتصل الإجابات إلى آذان السائلين؟، وهل يا ترى سيأتي يوم لا نقول فيه: إلى متى؟!

العدد 1140 - 22/01/2025