من يخاف الجوع لا يعرف الريادة!
عندما تنعم المجتمعات بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتنحسر المحسوبيات ويضمحل الفساد وتوزع عوائد موارد البلاد وثرواتها على المواطنين بشكل مُنصف إلى حدٍّ ما.. حينئذٍ يستطيع الناس أن يختاروا ما يحبون ويعيشوا شغف ممارسته في حياتهم اليومية سواء أكان مهنة أم حرفة أم حتى مزاولة فنٍّ ما.. ولكن عندما يتدافع الناس نحو أي وظيفة أو فرصة عمل فقط لتأمين المأكل والملبس وسائر متطلبات العيش، فالأداء العام لكل المؤسسات يتراجع. وبرغم أن عدد من الدول العربية كدول الخليج العربي ينعم مواطنوها بمستوى معيشي جيد، بل ومرفّه في الكثير من الحالات، إلاّ أن عدم وجود عتبة وعي جمعي مرتفعة عند معظم تلك المجتمعات يؤدي إلى انتشار البطالة بسبب إحجام المواطنين عن العمل. وحتى فيما يخص فطرة التنافس والعطاء التي تتدفق بين ضفتي المواهب نرى أن هوايات ومواهب عدد ليس بالقليل من شباب هذه البلدان هي (التفحيط) وسباقات السيارات والإبل وغيرها من المسائل التي تشكل مضيعة للوقت أكثر من كونها ذات فائدة ما.
وكما هو معروف ترتبط فعالية الفرد الإنتاجية بمقدار حبه لعمله وتوظيف كامل طاقته للنهوض به، وتنخفض كلما نظر إليه كهمٍّ لابدّ منه لتأمين متطلبات الحياة الرئيسية، وفي ظلّ الغلاء المعيشي والطبقية المتنامية في سورية على سبيل المثال، وكون عدد ليس بالقليل من الناس أضحوا عاملين لدى حثالة المجتمع الذين أصبحوا من أصحاب المشاريع التجارية والعقارية ورؤوس الأموال، بعد أن نهبوا وعفشوا وابتزوا واحتكروا.. إلخ خلال سنوات الحرب. وبناء على ما سبق لا نستطيع أن نتفاءل بالفعالية الإنتاجية لأفراد مجتمعنا، وأما عن نفسي فأنا من القلائل القنوعين واخترت العمل الذي أحبه ومستمر فيه رغم مردوده المالي الشحيح، ولكنني أعلم أن معظم الذين في نطاق العمل هذا (الإعلام والصحافة) ليسوا سوى متعيشين يريدون أداء (المطلوب) كي لا يخسروا لقمة عيشهم، لذا تجدهم لا يغامرون بالتجديد والإبداع فيما يعملون به، فلقمة عيش الأولاد أثمن من أن يُغامر بها.. وبالتالي الريادة واستعادة المكانة الحضارية لسورية هذا البلد العظيم هي حُلم بعيد المنال ما دمنا لا نغيّر في هذا الواقع المؤسف.