بعضٌ الحب.. لتفاصيل لن تعود

إن أي أمرِ يقوم به الإنسان راغباً به يُشعره بالسَّعادة والتَّفاؤل، ويدفعه إلى المزيد من النَّجاح والرَّغبة بتطوير مهاراته وقدراته ليتمكّن مستقبلاً من العطاء المتكامل وإفادة الآخرين، لاسيما إن كان ما يفعله الشَّخص نابعاً عن حبٍّ ورغبة كدراسة فرعٍ يحلم به، أو امتهان وظيفةٍ يريدها، حينئذٍ تخفُّ حدَّة التَّعب والجهد اللذين يواجهانه وربَّما تتحوَّل الصِّعاب اليومية إلى دافعٍ لتجاوزها، وإتمام ما هو مطلوب والوصول إلى الغايات المرجوَّة.

فحين نقوم بعملٍ نرغبه ونحبُّه، مهما كان صغيراً أو بسيطاً، يضفي على حياتنا شيئاً من الفرح والأمل، ويحفِّزنا لتقديم الأكثر والأفضل، بينما إن كان ما نفعله إجبارياً أو مفروضاً فإن أبسط الأمور تتحوَّل لتصبح عوائق نفسية تمنعنا من التَّقدُّم وتحقيق الأمنيات والرَّغبات.

بعضنا يرى في العمل أو الدِّراسة واجباً مفروضاً لضروراتٍ معيَّنة، وعلى هذا فإن الحالة النَّفسية تعاني إجهاداً دائماً، ما يجعل من الاستيقاظ في الصَّباح مثلاً همَّاً وأمراً مكروهاً، فتفقد اللحظات الجميلة نكهتها ورونقها، بينما يحوِّل من يرغبون بما يقومون به كلَّ لحظةٍ وكلَّ تفصيلٍ إلى أمرٍ ممتعٍ وذكرياتٍ رائعةٍ ستدمع المآقي عليها فيما بعد.

إذاً… قليلٌ من الحبِّ لما نقوم به حتى لو كان مفروضاً سيجعلنا أكثر قدرةً على تحمُّل المشقَّات والصُّعوبات الآنية، وتحديداً حين ندرك أن هذه السَّنوات والأيام بكلِّ تفاصيلها لن تتكرَّر وسيأتي يومٌ ونفقدها، وستصبح للمشاكل التي كنّا نمرُّ بها نكهةٌ أخرى فقط لأننا افتقدناها.

هذا ما حدث معي تحديداً حين درستُ فرعاً لم أرغبه ولم أفكر به يوماً، ومن ثمَّ بعد دخولي مجال العمل في تلك المهنة التي رفضتها مراراً وتكراراً محاولةً تغييرها والقيام بأي عملٍ آخر، أجلس اليوم متحسِّرةً وتحديداً على أيام الدِّراسة الضَّائعة إلى غير رجعة!! لكني وبعد أن تملَّكني هذا الشُعور وأرهقني لسنواتٍ طوال، وجدت أن محاولتي الاستمتاع بعملي أفضل وسيلةٍ لكسب الرَّاحة النَّفسية، وبدأت أحوِّل أي تفصيلٍ إلى ما يجعلني أشعر ببعض السَّعادة في عملي وها أنا أجدها مؤخَّراً…

لنعش اللحظة التي نحياها بكلِّ تفاصيلها فهي إلى أفول، ولنبحث عن إيجابيات ما نحن فيه وننمّيها لنتمكن من عبور طريقنا بأقل الخسائر لا سيما على الصَّعيد الشَّخصي، فالكثير من الأمور علينا القيام بها ربما دون رغبة إلاّ أنها واجب، فإن حوَّلناها في دواخلنا إلى دوافع إيجابية استطعنا تجاوز العديد من العقبات والعوائق ووصلنا إلى نهاية المطاف بكمٍّ كبيرٍ من الذِّكريات التي ستغذي أرواحنا حين لا نعود نملك ما نقوم به.

العدد 1140 - 22/01/2025