رؤية مواطن للحكومة الجديدة
الجعجعة بلا طحن! هذا هو شعور المواطن بوجود الحكومات السابقة المتعاقبة، وصار الحديث عن تشكيل حكومة جديدة أمراً يثير الطرفة والتندر وتبادل النكت بين المواطنين، بأن لا طحين فعلياً يلمسه المواطن بعد جعجعة الحديث عن تشكيل هذه الحكومة أو تلك. لزمنٍ طويل جداً، فشلت الحكومات المتعاقبة، المشكلة من الأحزاب والقوى السياسية الموجودة، في إدارة شؤون البلاد بالشكل الصحيح، وصار الكلام مستمراً عن فشل الوزراء والإداريين في كل مؤسسة.
لماذا؟. لأن كل الحكومات السابقة تلك، هي وليدة البطن السياسي نفسه والعادات والأفكار العقيمة نفسها، والأسلوب الإداري نفسه، المقيد بإرضاء المصالح الخاصة، التي تكرر نفسها بعدم الجدية في المسؤولية، وعدم العمل الصحيح، ودائما كانت سياسة تلك الحكومات تتجه لإرضاء بعض القوى، وليس للعمل والإنتاج.
والنتائج هي ما آل إليه حال المواطن من فقر وعدم استقرار في حياته الاقتصادية والتعليمية والقضائية والسكنية، وفلتان الأسعار، وضعف قيمة الأجور فعلياً، مقارنة بحاجات المواطن الأساسية وليس الكمالية، وهذا ما حدث حتى قبل الظروف الراهنة، لكي لا تكون حالة الظروف الراهنة حجة لعدم عمل الحكومة الجديدة بالشكل الصحيح.
المطلوب، وإن كان في ظل الحرب، إعادة النظر في مسألة كيفية تشكيل الحكومة، فلنعمل على التجربة ولا شيء يضير في ذلك، بإعطاء الفرصة لتشكيل الحكومة من الأكفاء الاختصاصين، المعروفين تماماً باحترامهم للمنصب كوسيلة خدمة للمواطن بالشكل الصحيح، وليس وسيلة إرضاء للأحزاب وللقوى السياسية، وللفئات المتاجرة والمستغلة للظروف في هذا البلد الحضاري أصلاً، ويحتاج إلى بعض الإصلاحات للمحافظة على حضارته.
متابعةً لما سبق من الرأي، فلنعمل على تشكيل حكومة مستقلة دون الأخذ بأي اعتبار للانتماء السياسي الحزبي لكل القوى السياسية، ودون النظر للتقارير المغرضة التي تكبل عمل الكثير من الشخصيات العامة القادرة على إدارة الأمور بالشكل الصحيح، ربما توصلنا إلى حكومة ناجحة، فلنترك التقارير السياسية والانتماء السياسي، وعلينا فقط انتظار نتائج العمل الفورية، التي ترقى بالمواطن إلى الحياة الكريمة، وليست الوعود المؤجلة بالأعمال، كعادة الحكومات السابقة.
نريد من الحكومة الجديدة، أن تبتعد عن موروثات الحكومات السابقة: إقامة مهرجانات الاحتفال بوضع حجارة الأساس للمشاريع، ثم تضع ملفات هذه المشاريع في الأدراج دون تنفيذها، أو تنفذها بعد زمن طويل تكون قد فقدت فيه الحاجة إليها ومنها، ولنحتفل فقط بالمشاريع بعد تنفيذها، وبعد وصول رغيف الإنتاج منها إلى بين يدي المواطن فعلاً، وليس إيهامه بانتظار الرغيف الذي لم تنشأ له المطحنة أصلاً سوى بالشعارات والوعود والكذب بالصحف ووسائل الإعلام، والمهرجانات المعدّة تمثيلاً فقط.
لماذا فشلت الحكومات السابقة وأين فشلت؟ فليكن هذا التساؤل هو بداية العمل الجديد في تشكيل الحكومة الجديدة، هذا الفشل الذي امتد طويلاً، ويبدو أنه لن ينتهي، وصار هذا الفشل في أداء الحكومة مصدراً دائماً لخيبة المواطن، وعدم ثقته بأي قرار حكومي، لأن المواطن نفسه، يعيش أمراض الفشل المستمر من الحكومة، ويجد نفسه في أسوأ حال دائماً، بلا أمل في النهوض من سوء حالته.
صارت الخيبة والفشل وعدم الثقة، هي العلاقة بين المواطن والحكومة، في كل المجالات الحياتية المباشرة وغير المباشرة، وصار المواطن يتكلم على أن كل عناصر الحكومة ولجانها وهيئاتها غايتها إملاء جيوبها، دون أي عمل مفيد للمجتمع.
في هذا المجتمع نحن، المواطنين، كرهنا القرارات العابرة، والارتجالية، كرهنا القرارات التي تكون دائماً بعيدة عن الواقع، كرهنا القرارات المعلقة دائماً من دون حسم، ومن حرقه الحليب يوماً، سينفخ على اللبن، كما قال القول المأثور. نريد حكومة ثاقبة النظر فعلاً ترى ما يحدث في الشارع، ترى ما يحتاج إليه الناس، نريد من الحكومة أن تكون لديها مرايا عاكسة لحاجات المجتمع فعلاً، بعيداً عن الأضابير الورقية والتقارير الكاذبة عن صحة عمل المؤسسات التي من المفروض أن تكون لخدمة المجتمع بكل أفراده فعلاً.
نريد من الحكومة الجديدة أن تعيد ترتيب الوضع الحاضر، ونقبل أن تكون حكومة إسعافية، لعلاج الجراح النازفة الآن، في الحالة الاقتصادية والمعيشية والأمنية…على الحكومة الجديدة أن تفكر كل لحظة كيف يراها الناس، لا كيف ترى هي نفسها، ولتعلم أي حكومة بأنها فاشلة حتماً، إن لم يلاحظ الناس خلال زمن قصير جداً، أن هناك إصلاحات فعلية، قد حدثت على أرض الواقع، وليس شعارات في أدراج المكاتب.