الاختبار الوطني …فساد وطعن في كفاءة الجامعات السورية!

 تتزايد حاجة الاقتصاد إلى الكوادر ذات التحصيل العلمي العالي، إذ ساهمت الحرب في تهجير أو قتل العديد من هذه الكوادر، التي لم تك تجد بيئة عمل مناسبة لها، ولا توجد جهات تحتضنها، وتستفيد منها بالشكل المطلوب. فيما تقود وزارة التعليم العالي حملة جديدة، من خلال الاختبار الوطني للكليات الطبية، للتضييق على خريجي الجامعات السورية، وتضعهم في عنق الزجاجة تماماً، بعد أن استحقوا شهادات تخرجهم. فتأتي إجراءات الوزارة، محبطة لهم، وتسهم في تبديد هذه الثروة البشرية، وتشارك في حملة  مسعورة  تستهدف الجامعات السورية، ومدى كفاءتها، والتزامها بالمعايير العلمية الدولية.

كيف لوزارة ينضوي تحت لوائها أفضل الكوادر التدريسية، أن تتعامل مع طلبتها بهذه الطريقة المهينة؟ وكيف يرضى أعمدة الجامعات، من مختلف الدرجات التعليمية، أن تشكّك الوزارة بما قدّموه لطلبتهم، وبقراراتهم غير القابلة للطعن؟

يصف أحد أساتذة جامعة دمشق الامتحان الوطني لخريجي الكليات الطبية، بأنه أحد أشكال البيروقراطية السورية. فحتى العام الماضي كان لا يحق للطالب الذي لا يجتاز هذا الاختبار، التقدم للدراسات العليا، أما في هذا العام فالراسب بنتيجة الاختبار لا يحصل على وثيقة التخرج، وهنا تكمن الخطورة، إذ يبدأ الفساد غير المباشر. ويكشف عن إعلان بعض الأساتذة تقديم دروس خصوصية بكلفة 7 آلاف ليرة للدرس الواحد، إضافة إلى دورات في النقابات المهنية، وذلك بالتنسيق مع مركز التقويم بوزارة التعليم.

وحصلت (النور) على معلومات تبين أن رئيس جامعة خاصة، باختصاص صيدلة (علم الأدوية)، يطلب 400 ألف ليرة لتقديم دروس للطالب الواحد، مع ضمان النجاح. ويختم الأستاذ الجامعي بالقول: إن هذا الاختبار هو طعن بالعملية التدريسية في كل الجامعات العامة والخاصة، وأإنه لعبة فساد، وهو مخالف لقانون تنظيم الجامعات.

يمسّ الاختبار الوطني بكفاءة الجامعات، وينال من استقلاليتها، ومن قداسة العلم. إنه الباب الجديد للاسترزاق، و(الواسطات) واللعب من تحت الطاولة. ويتجاهل الفوارق بين الكليات المتشابهة في الجامعات المحلية، ويُسقط  سنوات الطلبة الدراسية في أروقة الجامعات. هذه إجراءات طاردة للمتعلمين، وترسم صورة قاتمة لمستقبلهم، وتضع العصيّ في محاولاتهم الأولى ليكونوا فاعلين في حيواتهم العملية.

ماذا ينفع اختبار لطالب متخرج في الجامعة؟ ليس من المعقول أن ندع الطلبة يدرسون خمس أو ست سنوات في الجامعة، وفي كل مقرر على حدة، ويختبرهم الأساتذة، عملياً ونظرياً، ثم نعطي حق منحهم الشهادات للجان؟! لم تنفع لجنة في عمر البلاد لحل قضية، أو معالجة مشكلة، والآن تشكيل اللجان، سيقرر مستقبل الطلبة، سيكون بيدها حق منح الشهادة الجامعية. فهل تُحرم الجامعة من منح شهادة، لتكون بيد لجنة؟

تشكّك اليونسكو بمكانة الجامعات السورية، وتحاول سحب اعترافها بها، لاسيما جامعة دمشق العريقة، التي سنحتفل عقب خمس سنوات بمئويتها الأولى. ومن المؤسف أن جامعة كدمشق، بدلاً من أن تكون من بين المئة جامعة الأولى في العالم، هي الآن خارج التصنيفات.  نتحدث عن جامعة دمشق نظراً لعمرها الزمني، وهذا لا يقلل من أهمية الجامعات الأخرى، وضرورة أن تقفز إلى مصافّ الجامعات العالمية. وبدلاً من أن تسعى وزارة التعليم العالي لتطوير مناهج التعليم في الجامعات، ومقدرات الكوادر التدريسية، وتحاسب الكوادر غير الكفأة، وتقضي على الفساد التعليمي، بصفته أخطر ما يهدد العلم في سورية، فإنها تحاول أن تكون أحد معوقات العملية التعليمية.

أليست هذه الإجراءات، وغيرها مما يشبهها، هي السبب في أن جامعاتنا تخرّج أشباه المتعلمين، وفي تردّي مستوياتهم التعليمية. ثمة شكوك كثيرة، تتعلق بعدم نزاهة العديد من الكوادر التعليمية والتدريسية في الجامعات. وهناك معلومات غير رسمية، تشير إلى أن وزارة التعليم العالي تعالج نحو مئة حالة فساد سنوياً، تمس دكاترة الجامعات على اختلاف درجاتهم العلمية، وتحاول أن تبقى هذه القضية طي الكتمان، دون أن نفهم السبب من وراء ذلك. لكننا على ثقة أن الاختبار الوطني لن يسهم إلا بمزيد من الغرق في هذا المستنقع الموحل.

في سورية أكثر من ربع مليون طالب جامعي، هم مشاريع مبدعين، لابد للجامعات من التعامل معهم بذكاء، لتكتشف قدراتهم، وتنمي مهاراتهم، وتصقل مواهبهم. أما وأنها تسلك الطريق الخاطئ، فنحن أمام معضلة في تغييب العقل والعلم، واتباع أسلوب الجهل، إذ تحاول وزارة التعليم الصيد في ملعب الخريجين. 

العدد 1140 - 22/01/2025